للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأجرن، وهو مأخوذ من تحنيك الدابة، وهو أن يشد على حنكها بحبل أو غيره فتنقاد، وألسنة تحتنك المال، أي تجتره، ومنه قول الشاعر:

نشكو إليك سنة قد أجحفت ... جهدا إلى جهد بنا فأضعفت

واحتنكت أموالنا وجلفت ومن هذا الشعر، قال الطبري لَأَحْتَنِكَنَّ معناه: لاستأصلن، وعبر ابن عباس في ذلك ب «لأستولين» ، وقال ابن زيد لأضلن، وهذا بدل اللفظ لا تفسير، وحكم إبليس بهذا الحكم على ذرية آدم، من حيث رأى الخلقة مجوفة مختلفة الأجزاء وما اقترن بها من الشهوات والعوارض، كالغضب ونحوه، ثم استثنى القليل، لعلمه أنه لا بد أن يكون في ذريته من يصلب في طاعة الله، وقوله: اذْهَبْ وما بعده من الأوامر، هو صيغة افعل من التهديد، كقوله تعالى اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ [فصلت: ٤٠] وتَبِعَكَ معناه في طريق الكفر الذي تدعو إليه، فالآية في الكفار وفي من ينفذ عليه الوعيد من العصاة وقوله جَزاءً مصدر في موضع الحال، و «الموفور» المكمل وَاسْتَفْزِزْ معناه استخف واخدع حتى يقع في إرادتك، تقول استفزني فلان في كذا إذا خدعك حتى تقع في أمر أراده، ومن الخفة قيل لولد البقرة فز ومثله قول زهير:

كما استغاث بسيىء فز غيطلة ... خاف العيون فلم ينظر به الحشك

و «الصوت» هنا: قيل هو الغناء والمزامير والملاهي، لأنها أصوات كلها مختصة بالمعاصي، فهي مضافة إلى الشَّيْطانُ، قاله مجاهد، وقيل معناه: بدعائك إياهم إلى طاعتك، قال ابن عباس: صوته، كل داع إلى معصية الله، والصواب أن يكون الصوت يعم جميع ذلك. وقوله وَأَجْلِبْ أي هول والجلبة: الصوت الكثير المختلط الهائل، وقرأ الحسن: «واجلب» بوصل الألف وضم اللام. وقوله بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ قيل هذا مجاز واستعارة، بمعنى: اسع سعيك، وابلغ جهدك، وقيل معناه: أن له من الجن خيلا ورجلا، قاله قتادة، وقيل المراد: فرسان الناس ورجالتهم، المتصرفون في الباطل،، فإنهم كلهم أعوان لإبليس على غيرهم، قاله مجاهد وقرأ الجمهور «ورجلك» بسكون الجيم، وهو جمع راجل، كتاجر وتجر، وصاحب وصحب، وشارب وشرب، وقرأ حفص عن عاصم: «ورجلك» بكسر الجيم على وزن فعل، وكذلك قرأ الحسن وأبو عمرو بخلاف عنه، وهي صفة تقول فلان يمشي رجلا، غير راكب، ومنه قول الشاعر: [البسيط]

أنا أقاتل عن ديني على فرسي ... ولا كذا رجلا إلا بأصحابي

وقرأ قتادة وعكرمة: «ورجالك» . وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ عام: لكل معصية يصنعها الناس بالمال، فإن ذلك المصرف في المعصية، هو خط إبليس، فمن ذلك البحائر وشبهها، ومن ذلك مهر البغي، وثمن الخمر، وحلوان الكاهن، والربا، وغير ذلك مما يوجد في الناس دأبا. وقوله وَالْأَوْلادِ عام لكل ما يصنع في أمر الذرية من المعاصي فمن ذلك الإيلاد بالزنا، ومن ذلك تسميتهم عبد شمس، وعبد الجدي، وأبا الكويفر، وكل اسم مكروه ومن ذلك الوأد الذي كانت العرب تفعله، ومن ذلك صنعهم في أديان الكفر،

<<  <  ج: ص:  >  >>