للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَخْرِجْنِي وقرأ أبو حيوة وقتادة وحميد، «مدخل» «ومخرج» بفتح الميم، فليس بجار على أَدْخِلْنِي ولكن التقدير «أدخلني فأدخل مدخل» ، لأنه إنما يجري على دخل، و «الصدق» هنا صفة تقتضي رفع المذام واستيعاب المدح، كما تقول رجل صدق أي جامع للمحاسن، وقوله وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً قال مجاهد وغيره: حجة، يريد تنصرني ببيانها على الكفار، وقال الحسن وقتادة يريد سعة ورياسة وسيفا ينصر دين الله، فطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بأمر الله إياه به رغبة في نصر الدين، فروي أن الله وعده بذلك ثم أنجزه له في حياته وتممه بعد وفاته، وقوله وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ الآية، قال قتادة: الْحَقُّ القرآن، والْباطِلُ الشيطان، وقالت فرقة: الْحَقُّ الإيمان، والْباطِلُ الكفر، وقال ابن جريج: الْحَقُّ الجهاد، والْباطِلُ الشرك، وقيل غير ذلك، والصواب تعميم اللفظ بالغاية الممكنة، فيكون التفسير جاء الشرع بجميع ما انطوى فيه، وَزَهَقَ الكفر بجميع ما انطوى فيه، والْباطِلُ كل ما لا تنال به غاية نافعة. وقوله كانَ زَهُوقاً ليست كانَ إشارة إلى زمن مضى، بل المعنى كان وهو يكون، وهذا كقولك كان الله عليما قادرا ونحو هذا، وهذه الآية نزلت بمكة، ثم إن رسول الله كان يستشهد بها يوم فتح مكة وقت طعنه الأصنام وسقوطها لطعنه إياها بالمخصرة حسبما في السيرة لابن هشام وفي غيرها، وقرأ الجمهور «وننزل» بالنون، وقرأ مجاهد «وينزل» بالياء خفيفة، ورواها المروزي عن حفص، وقوله مِنَ الْقُرْآنِ يصح أن تكون مِنَ لابتداء الغاية، ويصح أن تكون لبيان الجنس كأنه قال وننزل ما فيه شفاء مِنَ الْقُرْآنِ وأنكر بعض المتأولين أن يكون مِنَ للتبعيض لأنه تحفظ من يلزمه أن بعضه لا شفاء فيه.

قال القاضي أبو محمد: وليس يلزمه هذا بل يصح أن يكون للتبعيض بحسب أن إنزاله إنما هو مبعض، فكأنه قال وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ شيئا شيئا ما فيه كله شِفاءٌ، واستعارته الشفاء للقرآن هو بحسب إزالته للريب وكشفه غطاء القلب لفهم المعجزات والأمور الدالة على الله تعالى المقررة لشرعه، ويحتمل أن يراد ب «الشفاء» نفعه من الأمراض بالرقى والتعويذ ونحوه، وكونه رحمته ظاهر، وقوله وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً معنى أنه عليهم عمى، إذ هم معرضون بحالة من لا يفهم ولا يلقن. وقوله وَإِذا أَنْعَمْنا الآية، الْإِنْسانِ في هذه الآية لا يراد به العموم، وإنما يراد به بعضه وهم الكفرة، وهذا كما تقول عند غضب: لا خير في الأصدقاء ولا أمانة في الناس، فأنت تعم مبالغة، ومرادك البعض، وهذا بحسب ذكر الظالمين، و «الخسار» في الآية قبل فاتصل ذكر الكفرة، ويحتمل أن يكون الْإِنْسانِ في هذه الآية عاما للجنس، على معنى أن هذا الخلق الذميم في سجيته، فالكافر يبالغ في الإعراض والعاصي يأخذ بحظه منه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مؤمن: «فأعرض فأعرض الله عنه» ، ومعنى أَعْرَضَ ولانا عرضه، ونأى أي بعد، وهذه استعارة، وذلك أنه يفعل أفعال المعرض النائي في تركه الإيمان بالله وشكر نعمه عليه، وقرأ ابن عامر وحده «وناء» ، ومعناه نهض أي متباعدا، هذا قول طائفة، وقالت أخرى هو قلب الهمزة بعد الألف من نَأى بعينه وهي لغة كرأى وراء، ومن هذه اللفظة، قول الشاعر في صفة رام: [الرجز]

حتى إذا ما التأمت مفاصله ... وناء في شق الشمال كاهله

<<  <  ج: ص:  >  >>