للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الآية القيامة بلا خلاف، وقرأ ابن كثير والحسن وعاصم «أكاد أخفيها» بفتح الهمزة بمعنى أظهرها أي أنها من صحة وقوعها وتيقن كونه تكاد تظهر لكن تنحجب إلى الأجل المعلوم، والعرب تقول خفيت الشيء بمعنى أظهرته ومنه قول امرئ القيس: [الطويل]

خفاهن من أنفاقهن كأنما ... خفاهن ودق من سحاب مجلّب

ومنه قوله أيضا: [المتقارب]

فإن تدفنوا الداء لا نخفه ... وإن توقدوا الحرب لا نقعد

قال أبو علي: المعنى أزيل خفاءها، وهو ما تلف به القربة ونحوها، وقرأ الجمهور «أخفيها» بضم الهمزة، واختلف المتأولون في معنى الآية فقالت فرقة: معناه أظهرها وأخفيت من الأضداد، وهذا قول مختل، وقالت فرقة معناه، أَكادُ أُخْفِيها من نفسي على معنى العبارة عن شدة غموضها على المخلوقين، فقالت فرقة: المعنى إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ وتم الكلام بمعنى أَكادُ أنفذها لقربها وصحة وقوعها ثم استأنف الإخبار بأنه يخفيها، وهذا قلق، وقالت فرقة أَكادُ زائدة لا دخول لها في المعنى بل تضمنت الآية الإخبار بأن الساعة آتية وأن الله يخفي وقت إتيانها عن الناس، وقالت فرقة أَكادُ بمعنى أريد، فالمعنى أريد إخفاءها عنكم لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى واستشهد قائل هذه المقالة بقول الشاعر: [الكامل] كادت وكدت وتلك خير إرادة وقد تقدم هذا المعنى، وقالت فرقة أَكادُ على بابها بمعنى أنها مقاربة ما لم يقع، لكن الكلام جار على استعارة العرب ومجازها، فلما كانت الآية عبارة عن شدة خفاء أمر القيامة ووقتها وكان القطع بإتيانها مع جهل الوقت أهيب على النفوس بالغ قوله تعالى في إبهام وقتها فقال أَكادُ أُخْفِيها حتى لا تظهر البتة ولكن ذلك لا يقع ولا بد من ظهورها، هذا تلخيص هذا المعنى الذي أشار إليه بعض المفسرين وهو الأقوى عندي، ورأى بعض القائلين بأن المعنى أَكادُ أُخْفِيها من نفسي ما في القول من القلق فقالوا معنى من نفسي من تلقائي ومن عندي ع وهذا رفض للمعنى الأول ورجوع إلى هذا القول الذي اخترناه أخيرا فتأمله، واللام في قوله لِتُجْزى متعلقة ب آتِيَةٌ وهكذا يترتب الوعيد. وتَسْعى معناه تكسب وتجترح، والضمير في قوله عَنْها يريد عن الإيمان بالساعة فأوقع الضمير عليها، ويحتمل أن يعود على الصَّلاةَ [طه: ١٤] وقالت فرقة المراد عن لا إله إلا الله ع: وهذا متجه، والأولان أبين وجها. وقوله فَتَرْدى معناه تهلك، والردى الهلاك ومنه قوله دريد بن الصمة: [الطويل]

تنادوا فقالوا أردت الخيل فارسا ... فقلت أعبد الله ذلكم الردي

وهذا الخطاب كله لموسى عليه السلام وكذلك ما بعده، وقال النقاش: الخطاب ب فَلا يَصُدَّنَّكَ لمحمد عليه السلام وهذا بعيد، وفي مصحف عبد الله بن مسعود «أكاد أخفيها من نفسي» وعلى هذه القراءة تركب ذلك القول المتقدم، وقوله عز وجل وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى تقرير مضمنه التنبيه وجمع النفس

<<  <  ج: ص:  >  >>