للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مشى في ذلك على أثر الزجاج دون تعقب وقد شرحت هذا المعنى في سورة البقرة في تفسير لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً [البقرة: ٢٧٣] وبين أن هذه الآية ليست كهذه الأمثلة لأنهم لم يرفعوا الإخلاف فيها والأمثلة فيها رفع الوجهين، وأما فتح الميم فهو مصدر من ملك والمعنى ما فعلنا ذلك بأنا ملكنا الصواب ولا وفقنا له بل غلبتنا أنفسنا، وأما كسر الميم فقد كثر استعماله فيما تحوزه اليد ولكنه يستعمل في الأمور التي يبرمها الإنسان ومعناها كمعنى التي قبلها والمصدر مضاف في الوجهين إلى الفاعل والمفعول مقدر أي «بملكنا الصواب» ، وهذا كما قد يضاف أحيانا إلى المفعول والفاعل مقدر كقوله تعالى: بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ [ص: ٢٤] ومن دعاء الخير، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم «حمّلنا» بضم الحاء وشد الميم، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي «حملنا» بفتح الحاء والميم. و «الأوزار» الأثقال، وتحتمل هذه التسمية أن تكون من حيث هي ثقيلة الأجرام، ويحتمل أن يكون من حيث آمنوا في قذفها وظهر لهم أن ذلك هو الحق فكانت آثاما لمن حملها. وقوله فَكَذلِكَ أَلْقَى أي فكما قذفنا نحن فَكَذلِكَ أيضا أَلْقَى السَّامِرِيُّ ما كان بيده ع وهذه الألفاظ تقتضي أن العجل لم يصغه السامري، ثم أخبر الله تعالى عن فعل السامري بقوله تعالى: فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً، ومعنى قوله جَسَداً أي شخصا لا روح فيه، وقيل معنى جَسَداً لا يتغذى. و «الخوار» صوت البقر، وقالت فرقة كان هذا العجل يخور ويمشي ع وهكذا تكون الفتنة من قبل الله تعالى قاله ابن عباس، وقالت فرقة إنما خار مرة واحدة. ثم لم يعد وقالت فرقة إنما كان خواره بالريح كانت تدخل من دبره وتخرج من فيه فيصوت لذلك.

قوله عز وجل:

[سورة طه (٢٠) : الآيات ٨٩ الى ٩١]

أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (٨٩) وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (٩١)

الضمير في قوله فَقالُوا لبني إسرائيل، أي قالوا حين قال كبارهم لصغارهم وهذا إشارة إلى العجل. قوله تعالى فَنَسِيَ يحتمل أن يكون من كلام بني إسرائيل أي فنسي موسى ربه وإلهه فذهب يطلبه في غير موضعه، ويحتمل أن يكون قوله فَنَسِيَ إخبارا من الله تعالى عن السامري، أي نسي دينه وطريق الحق ع فالنسيان في التأويل الأول بمعنى الذهول، وفي الثاني بمعنى الترك، ثم قرن تعالى مواضع خطاهم بقوله تعالى: أَفَلا يَرَوْنَ المعنى أفلم يتبين هؤلاء الذين ضلوا أن هذا العجل إنما هو جماد لا يتكلم ولا يرجع قولا ولا يضر ولا ينفع، وهذه خلال لا يخفى معها الحدوث والعجز لا أن هذه الخلال لو حصلت له أوجبت كونه إلها وقرأت فرقة «أن لا يرجع» برفع العين، «وأن» على هذه القراءة مخففة من الثقيلة والتقدير أنه لا يرجع، وقرأت فرقة «أن لا يرجع» «وأن» على هذه القراءة هي الناصبة، وأخبر عز وجل أن هارُونُ قد كان قال لهم في أول حال العجل يا قَوْمِ إنما هي فتنة وبلاء وتمويه من السامري وإنما رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ الذي له القدرة والعلم والخلق والاختراع فَاتَّبِعُونِي إلى الطور الذي واعدكم الله تعالى إليه

<<  <  ج: ص:  >  >>