للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الفقيه الإمام القاضي: مصاحف الإسلام كلها قد ثبت فيها تَسْتَأْنِسُوا وصح الإجماع فيها من لدن مدة عثمان رضي الله عنه فهي التي لا يجوز خلافها، والقراءة ب «يستأذنوا» ضعيفة، وإطلاق الخطأ والوهم على الكتاب في لفظ أجمع الصحابة عليه لا يصح عن ابن عباس والأشبه أن يقرأ «تستأذنوا» على التفسير، وظاهر ما حكى الطبري أنها قراءة برواية ولكن قد روي عن ابن عباس أنه قال تَسْتَأْنِسُوا معناه «تستأذنوا» ، ومما ينفي هذا القول عن ابن عباس أن تَسْتَأْنِسُوا متمكنة في المعنى بينة الوجه في كلام العرب، وقد قال عمر للنبي عليه السلام: استأنس يا رسول الله وعمر واقف على باب الغرفة الحديث المشهور وذلك يقتضي أنه طلب الأنس به صلى الله عليه وسلم فكيف يخطىء ابن عباس رضي الله عنه أصحاب الرسول في مثل هذا، وحكى الطبري أيضا بسند عن ابن جريج عن ابن عباس وعكرمة والحسن بن أبي الحسن أنهم قالوا نسخ واستثني من هذه الآية الأولى قوله بعد لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ [النور: ٩] ع وهذا أيضا لا يترتب فيه نسخ ولا استثناء لأن الآية الأولى في البيوت المسكونة والآية الثانية في المباحة وكأن من ذهب إلى الاستثناء رأى الأولى عامة، وصورة الاستئذان أن يقول الرجل السلام عليكم أأدخل؟ فإن أذن له دخل وإن أمر بالرجوع انصرف وإن سكت عنه استأذن ثلاثا ثم ينصرف بعد الثلاث، فأما ثبوت ما ذكرته من صورة الاستئذان فروى الطبري أن رجلا جاء إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال آلج أو أنلج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمة له يقال لها روضة، «قولي لهذا يقول السلام عليكم ادخل» فسمعه الرجل فقالها فقال له النبي عليه السلام «ادخل» . وروي أن ابن عمر آذته الرمضاء يوما فأتى فسطاط امرأة من قريش فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فقالت المرأة ادخل بسلام، فأعاد، فأعادت، فقال لها قولي ادخل، فقالت ذلك، فدخل فكأنه توقف لما قالت بسلام لاحتمال اللفظ أن تريد ادخل بسلامك لا بشخصك، ثم لكل قوم في الاستئذان عرفهم في العبارة، وأما ثبوت الرجوع بعد الاستئذان ثلاثا فلحديث أبي موسى الأشعري الذي استعمله مع عمر وشهد به لأبي موسى أبو سعيد الخدري ثم أبي بن كعب الحديث المشهور، وقال عطاء بن أبي رباح الاستئذان واجب على كل محتلم وسيأتي ذكر هذا، وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رسول الرجل إذنه» أي إذا أرسل في أحد فقد أذن له في الدخول وقوله: ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ تم الكلام عنده، وقوله: لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ معناه فعلنا ذلك بكم ونبهناكم لَعَلَّكُمْ والضمير في قوله تَجِدُوا فِيها للبيوت التي هي بيوت الغير، وحكى الطبري عن مجاهد أنه قال معنى قوله فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً إن لم يكن لكم فيها متاع وضعف الطبري هذا التأويل وكذلك هو في غاية الضعف، وكأن مجاهدا رأى أن البيوت غير المسكونة إنما تدخل دون إذن. إذا كان فيها للداخل متاع، ورأى لفظة المتاع: متاع البيت الذي هو البسط والثياب وهذا كله ضعيف وأسند الطبري عن قتادة أنه قال: قال رجل من المهاجرين لقد طلبت عمري كله هذه الآية فما أدركتها أن أستأذن على بعض إخواني فيقول لي ارجع فأرجع وأنا مغتبط لقوله تعالى: هُوَ أَزْكى لَكُمْ وقوله تعالى: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ توعد لأهل التجسس على البيوت وطلب الدخول على غفلة للمعاصي والنظر إلى ما لا يحل ولغيرهم مما يقع في محظور.

قوله عز وجل:

<<  <  ج: ص:  >  >>