للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعنى قل لهم يا محمد هذه المقالة التي لا ظن يتطرق إليك معها ولا تهتم بهم وبشّر وأنذر وَتَوَكَّلْ عَلَى المتكفل بنصرك وعضدك في كل أمرك، ثم وصف تعالى نفسه الصفة التي تقتضي التوكل في قوله الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ إذ هذا المعنى يختص بالله تعالى دون كل ما لدينا مما يقع عليه اسم حي، وقوله وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ قل سبحان الله وبحمده أي تنزيهه واجب وبحمده أقول.

قال القاضي أبو محمد: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال في كل يوم سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر، فهذا معنى وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وهي إحدى الكلمتين الخفيفتين على اللسان، الحديث، وقوله وَكَفى بِهِ توعد وإزالة كل عن محمد صلى الله عليه وسلم في همه بهم، وقوله وَما بَيْنَهُما مع جمعه السَّماواتِ قبل سائغ من حيث عادل لفظ الْأَرْضَ لفظ السَّماواتِ ونحوه قول عمرو بن شييم: [الوافر]

ألم يحزنك أن جبال قيس ... وتغلب قد تباينتا انقطاعا

من حيث عادلت جبالا جبالا، ومنه قول الآخر: [الكامل]

إن المنية والحتوف كلاهما ... يوفي المخارم يرقبان سواد

وقوله فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ اختلفت الرواية في اليوم الذي ابتدأ الله فيه الخلق، فأكثر الروايات على يوم الأحد، وفي مسلم وفي كتاب الدلائل يوم السبت، وبين بكون ذلك فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وضع الإناءة والتمهل في الأمور لأن قدرته تقضي أنه يخلقها في طرفة عين لو شاء لا إله إلا هو، وقد تقدّم القول في الاستواء، وقوله الرَّحْمنُ يحتمل أن يكون رفعه بإضمار مبتدأ أي هو الرَّحْمنُ ويحتمل أن يكون بدلا من الضمير في قوله اسْتَوى وقرأ زيد بن علي بن الحسين «الرحمن» بالخفض، وقوله فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً فيه تأويلان: أحدهما فَسْئَلْ عنه وخَبِيراً على هذا منصوب إما بوقوع السؤال عليه والمعنى، اسأل جبريل والعلماء وأهل الكتب المنزلة، والثاني أن يكون المعنى كما تقول لو لقيت فلانا لقيت به البحر كرما أي لقيت منه والمعنى فاسأل الله عن كل أمر، وخَبِيراً على هذا منصوب إما بوقوع السؤال وإما على الحال المؤكدة كما قال وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً [البقرة: ٩١] ، وليست هذه بحال منتقلة إذ الصفة العلية لا تتغير، ولما ذكر في هذه الآية «الرحمن» كانت قريش لا تعرف هذا في أسماء الله، وكان مسيلمة كذاب اليمامة تسمى ب «الرحمن» فغالطت قريش بذلك وقالت إن محمدا يأمر بعبادة «الرحمن» اليمامة فنزل قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ الآية، وقولهم وَمَا الرَّحْمنُ استفهام عن مجهول عندهم ف مَا على بابها المشهور، وقرأ جمهور القراء «تأمرنا» بالتاء أي أنت يا محمد، وقرأ حمزة والكسائي والأسود بن يزيد وابن مسعود «يأمرنا» بالياء من تحت إما على إرادة محمد والكناية عنه بالغيبة، وإما على إرادة رحمان اليمامة، وقوله: وَزادَهُمْ نُفُوراً أي أضلهم هذا اللفظ ضلالا لا يختص به حاشى ما تقدم منهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>