للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه القصة تضمنت الإعلام بغيب والإيمان بما قطع أن محمدا عليه السلام لم يكن يعرفه ثم ظهر على لسانه في ذلك ما في الكتب المتقدمة، وليست هذه الآية مثالا لقريش إلا في أمر الأصنام فقط لأنه ليس فيها تكذيب وعذاب، وقول إبراهيم عليه السلام ما تَعْبُدُونَ استفهام بمعنى التقرير، والصنم ما كان من الأوثان على صورة ابن آدم من حجر أو عود أو غير ذلك، و «نظل» عرفها في فعل للشيء نهارا وبات عرفها في فعله ليلا، وطفق عامة للوجهين، ولكن قد تجيء ظل بمعنى العموم وهذا الموضع من ذلك، و «العكوف» اللزوم، ومنه المعتكف، ومنه قول الراجز: «عكف النبيط يلعبون الفنزجا» . ثم أخذ إبراهيم عليه السلام يوقفهم على أشياء يشهد العقل أنها بعيدة من صفات الله، وقرأ الجمهور بفتح الياء من «يسمعونكم» ، وقرأ قتادة بضمها من أسمع وبكسر الميم والمفعول على هذه القراءة محذوف، وقرأ جماعة من القراء إِذْ تَدْعُونَ بإظهار الذال والتاء، وقرأ الجمهور إِذْ تَدْعُونَ بإدغام الذال في التاء بعد القلب ويجوز فيه قياس مذكر، ولم يقرأ به وطرد القياس أن يكون اللفظ به «إذ ددعون» والذي منع من هذا اللفظ اتصال الدال الأصلية بالفعل فكثرت المماثلات، وقولهم بل وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ، أقبح وجوه التقليد لأنه على ضلالة وفي أمر بين خلافه وعظيم قدره، فلما صرحوا لإبراهيم عليه السلام عن عدم نظرهم وأنه لا حجة لهم خاطبهم ببراءته من جميع ما عبد من دون الله وعداوته لذلك وعبر عن بغضته واطراحه لكل معبود سوى الله تعالى بالعداوة إذ هي تقتضي التغيير ومحو الرسم، وقيل في الكلام قلب لأن الأصنام لا تعادي وإنما هو عاداها، وقوله إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ قالت فرقة هو استثناء متصل لأن في بغضته الأقدمين من قد عبد الله، وقالت فرقة هو استثناء منقطع لأنه إنما أراد عبادة الأوثان من كل قرن منهم، ولفظة عَدُوٌّ تقع للجميع والمفرد والمؤنث والمذكر.

قوله عز وجل:

[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٧٨ الى ٨٧]

الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (٨٢)

رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (٨٣) وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (٨٤) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (٨٥) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ (٨٦) وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (٨٧)

أتى إبراهيم عليه السلام في هذه الأوصاف التي وصف الله عز وجل بها بالصفات التي المتصف بها يستحق الألوهية وهي الأوصاف الفعلية التي تخص البشر، ومنها يجب أن يفهم ربه عز وجل وهذا حسن الأدب

<<  <  ج: ص:  >  >>