للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَيْنٍ لِي وَلَكَ، فقالت فرقة: كان ذلك عند التقاط التابوت لما أشعرت فرعون به سبق إلى وهمه أنه من بني إسرائيل وأن ذلك قصد به ليخلص من الذبح فقال عليّ بالذباحين فقالت امرأته ما ذكر فقال فرعون: أما لي فلا، قال النبي صلى الله عليه وسلم «لو قال فرعون نعم لآمن بموسى ولكان قرة عين له» ، وقال السدي: بل ربته حتى درج فرأى فرعون فيه شهامة وظنه من بني إسرائيل وأخذه في يده فمد موسى يده ونتف لحية فرعون فهم حينئذ بذبحه وحينئذ خاطبته بهذا وجربته له في الجمرة والياقوتة فاحترق لسانه وعلق العقدة، وقوله لا يَشْعُرُونَ أي بأنه الذي يفسد الملك على يديه قال قتادة وغيره، وقرأ ابن مسعود «لا تقتلوه قرة عين لي ولك» قدم وأخر، وقوله وَأَصْبَحَ عبارة عن دوام الحال واستقرارها وهي كظل، ومنه قول أبي سفيان للعباس يوم الفتح: لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيما يريد استقرت حاله عظيما. وقرأ جمهور الناس «فارغا» من الفراغ واختلف في معنى ذلك فقال ابن عباس: «فارغا» من كل شيء إلا من ذكر موسى، وقال مالك: هو ذهاب العقل.

قال الفقيه الإمام القاضي: نحو قوله وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ [إبراهيم: ٤٣] وقالت فرقة «فارغا» من الصبر، وقال ابن زيد «فارغا» من وعد الله تعالى ووحيه إليها أي تناسته بالهم وفتر أثره في نفسها وقال لها إبليس فررت به من قتل لك فيه أجر وقتلته بيدك، وقال أبو عبيدة «فارغا» من الحزن إذ لم يغرق، وقرأ فضالة بن عبد الله ويقال ابن عبيد والحسن «فزعا» من الفزع بالفاء والزاي، وقرأ ابن عباس «قرعا» بالقاف والراء من القارعة وهي الهم العظيم، وقرأ بعض الصحابة رضي الله عنهم «فرغا» بالفاء المكسورة والراء الساكنة والغين المنقوطة ومعناها ذاهبا هدرا تالفا من الهم والحزن، ومنه قول طليحة الأسدي في حبال أخيه: [الطويل]

فإن تك قتلى قد أصيبت نفوسهم ... فلن يذهبوا فرغا بقتل حبال

أي هدرا تالفا لا يتبع، وقرأ الخليل بن أحمد «فرغا» بضم الفاء والراء. وقوله تعالى: إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ أي أمر ابنها، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كادت أم موسى أن تقول وا ابناه وتخرج صائحة على وجهها» و «الربط على القلب» تأنيسه وتقويته، ومنه قولهم للشجاع والصابر في المضايق: رابط الجأش، قال قتادة: وربط على قلبها بالإيمان، وقوله لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أي من المصدقين بوعد الله وما أوحى إليها به، ثم قالت لأخت موسى طمعا منها وطلبا، قُصِّيهِ، والقص طلب الأثر، فيروى أن أخته خرجت في سكك المدينة تبحث مختفية بذلك فرأته عند قوم من حاشية امرأة فرعون يطلبون به امرأة ترضعه حين لم يقبل المراضع، وعَنْ جُنُبٍ أي عن ناحية من غير قصد ولا قرب يشعر لها به، يقال فيه جنب وجناب وجنابة ومن جناب قول الشاعر: [الطويل]

لقد ذكرتني عن جناب حمامة ... بعسفان أهلي فالفؤاد حزين

ومن جنابة قول الأعشى: [الطويل]

أتيت حريثا زائرا عن جنابة ... فكان حريث عن عطائي جامدا

قال الفقيه الإمام القاضي: وكأن معنى هذه الألفاظ عن مكان جنب أي عن بعد ومعنى الآية عن بعد لم تدن منه فيشعر لها، وأنشد أبو عبيدة لعلقمة بن عبدة: [الطويل]

<<  <  ج: ص:  >  >>