للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرآن، وقال حماد بن أبي سليمان وابن جريج والكلبي: إن الصلاة تنهى ما دمت فيها.

قال الفقيه الإمام القاضي: وهذه عجمة وأنى هذا مما روى أنس بن مالك قال: كان فتى من الأنصار يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا يدع شيئا من الفواحش والسرقة إلا ركبه، فقيل ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال «إن صلاته ستنهاه» ، فلم يلبث أن تاب وصلحت حاله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألم أقل لكم» ؟ وقوله تعالى: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ قال ابن عباس وأبو الدرداء وسلمان وابن مسعود وأبو قرة: معناه، وَلَذِكْرُ اللَّهِ إياكم أَكْبَرُ من ذكركم إياه، وقيل معناه وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ مع المداومة من الصلاة في النهي عن الفحشاء والمنكر، قال ابن زيد وقتادة معناه وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ من كل شيء، وقيل لسلمان أي الأعمال أفضل؟ فقال: أما تقرأ القرآن وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ. ومنه حديث الموطأ عن أبي الدرداء «ألا أخبركم بخير أعمالكم؟» الحديث، وقيل معناه وَلَذِكْرُ اللَّهِ كبير كأنه يحض عليه في هذين التأويلين الأخيرين.

قال الفقيه الإمام القاضي: وعندي أن المعنى وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ على الإطلاق أي هو الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر.

فالجزء الذي منه في الصلاة يفعل ذلك وكذلك يفعل في غير الصلاة لأن الانتهاء لا يكون إلا من ذاكر مراقب، وثواب ذلك الذكر أن يذكره الله تعالى كما في الحديث «ومن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منه» ، والحركات التي في الصلاة لا تأثير لها في نهي، والذكر النافع هو مع العلم وإقبال القلب وتفرغه إلا من الله تعالى، وأما ما لا يتجاوز اللسان ففي رتبة أخرى، وذكر الله تعالى العبد هو إفاضة الهدى ونور العلم عليه، وذلك ثمرة لذكر العبد ربه، قال الله عز وجل فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة: ١٥٢] ، وباقي الآية ضرب من التوعد والحث على المراقبة.

قوله عز وجل:

[[سورة العنكبوت (٢٩) : آية ٤٦]]

وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٤٦)

قرأ الجمهور «إلا» على الاستثناء، وقرأ ابن عباس «ألا» بفتح الهمزة وتخفيف اللام، واختلف المفسرون في المراد بهذه الآية، فقال ابن زيد: معناها «لا تجادلوا» من آمن بمحمد من أَهْلَ الْكِتابِ فكأنه قال أَهْلَ الْكِتابِ المؤمنين إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أي الموافقة فيما حدثوكم به من أخبار أوائلهم وغير ذلك، وقوله تعالى على هذا التأويل إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا يريد به من بقي على كفره منهم، كمن كفر وغدر من قريظة والنضير وغيرهم، والآية على هذا محكمة غير منسوخة، وقال مجاهد: المراد ب أَهْلَ الْكِتابِ اليهود والنصارى الباقون على دينهم أمر الله تعالى المؤمنين ألا يجادلوهم إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ من الدعاء إلى الله تعالى والتنبيه على آياته، وأن يزال معهم عن طريق الإغلاظ والمخاشنة، وقوله على هذا التأويل إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا معناه ظلموكم وإلا فكلهم ظلمة على الإطلاق يراد بهم من لم يؤد جزية

<<  <  ج: ص:  >  >>