للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الفقيه الإمام القاضي: ولا يحتاج إلى هذا بل ذكر العلم يتضمن الإيمان ولا يصف الله بعلم من لم يعلم كل ما يوجب الإيمان، ثم ذكر الإيمان بعد ذلك تنبيها عليه وتشريفا لأمره كما قال تعالى: فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ [الرحمن: ٦٨] فنبه على مكان الإيمان وخصه بالذكر تشريفا.

قوله عز وجل:

[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٥٧ الى ٦٠]

فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٥٧) وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ (٥٨) كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (٥٩) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (٦٠)

هذا إخبار عن هول يوم القيامة وشدة أحواله على الكفرة في أنهم لا ينفعهم الاعتذار ولا يعطون عتبى وهي الرضى، ويُسْتَعْتَبُونَ بمعنى يعتبون كما تقال يملك ويستملك، والباب في استفعل أنه طلب الشيء وليس هذا منه لأن المعنى كان يفسد إذا كان المفهوم منه ولا يطلب منهم عتبى.

وقرأ عاصم والأعمش «ينفع» بالياء كما قال تعالى فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ [البقرة: ٢٧٥] وحسن هذا أيضا بالتفرقة التي بين الفعل وما أسند إليه كما قال الشاعر: [الطويل]

وهل يرجع التسليم أو يكشف العمى ... ثلاث الأثافي والديار البلاقع

ثم أخبر تعالى عن قسوة قلوبهم وعجرفة طباعهم في أنه ضرب لهم كل مثل وبين عليهم بيان الحق ثم هم مع ذلك الآية والمعجزة يكفرون ويلجون ويعمهون في كفرهم، ويصفون أهل الحق بالإبطال، ثم أخبر تعالى أن هذا إنما هو من طبعه وختمه على قلوب الجهلة الذين قد حتم عليهم الكفر في الأزل، وذهب أبو عبيدة إلى أنه من قولهم طبع السيف أي صدىء أشد صدأ، ثم أمر نبيه بالصبر وقوى نفسه لتحقيق الوعد ونهاه عن الاهتزاز لكلامهم والتحرك واضطراب النفس لأقوالهم إذ هم لا يقين لهم ولا بصيرة، وقرأ ابن أبي إسحاق ويعقوب «يستحقنك» بحاء غير معجمة وقاف من الاستحقاق، والجمهور على الخاء المعجمة والفاء من الاستخفاف، إلا أن ابن أبي إسحاق ويعقوب سكنا النون من «يستخفنك» ، وروي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان في صلاة الفجر فناداه رجل من الخوارج بأعلى صوته فقرأ هذه الآية: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ [الزمر: ٦٥] ، فعلم علي رضي الله عنه مقصده في هذا وتعريضه به فأجابه وهو في الصلاة بهذه الآية:

فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>