للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سببها أن بعض المنافقين قال: إن محمدا له قلبان، لأنه ربما كان في شيء فنزع في غيره نزعة ثم عاد إلى شأنه الأول فقالوا ذلك عنه فنفاه الله تعالى عنه، وقال ابن عباس أيضا بل سببه أنه كان في قريش في بني فهر رجل فهم يدعي أن له قلبين ويقال له ذو القلبين، قال الثعلبي وهو ابن معمر وكان يقول: أنا أذكى من محمد وأفهم، فلما وقعت هزيمة بدر طاش لبه وحدث أبا سفيان بن حرب بحديث كالمختل، فنزلت الآية بسببه ونفيا لدعواه، وقيل إنه كان ابن خطل، قال الزهري جاء هذا اللفظ على جهة المثل في زيد بن حارثة والتوطئة لقوله تعالى: وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ، أي كما ليس لأحد قلبان كذلك ليس دعيه ابنه.

قال الفقيه الإمام القاضي: ويظهر من الآية أنها بجملتها نفي لأشياء كانت العرب تعتقدها في ذلك الوقت وإعلام بحقيقة الأمر، فمنها أن بعض العرب كانت تقول: إن الإنسان له قلبان قلب يأمره وقلب ينهاه، وكان تضاد الخواطر يحملها على ذلك، ومن هذا قول الكميت: [الطويل]

تذكر من أنا ومن أين شربه ... يؤامر نفسيه كذي الثلة الإبل

والناس حتى الآن يقولون إذا وصفوا أفكارهم في شيء ما يقول لي أحد قلبي كذا ويقول الآخر كذا، وكذا كانت العرب تعتقد الزوجة إذا ظوهر منها بمنزلة الأم وتراه طلاقا وكانت تعتقد الدعي المتبني ابنا فأعلم الله تعالى أنه لا أحد بقلبين، ويكون في هذا أيضا طعن على المنافقين الذين تقدم ذكرهم، أي إنما هو قلب واحد، فإما حله إيمان وإما حله كفر لأن درجة النفاق كأنها متوسطة يؤمن قلب ويكفر الآخر، فنفاها الله تعالى وبين أنه قلب واحد، وعلى هذا النحو يستشهد الإنسان بهذه الآية متى نسي شيئا أو وهم يقول على جهة الاعتذار ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ، أي إذا نسي قلبه الواحد يذكره الآخر، وكذلك أعلم أن الزوجة لا تكون أما وأن الدعي لم يجعله ابنا، وقرأ نافع وابن كثير «اللاء» دون ياء، وروي عن أبي عمرو وابن جبير «اللاي» بياء ساكنة بغير همز، وقرأ ورش بياء ساكنة مكسورة من غير همز، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وابن عامر وطلحة والأعمش بهمزة مكسورة بعدها ياء، وقرأ ابن عامر «تظاهرون» بشد الظاء وألف، وقرأ عاصم والحسن وأبو جعفر وقتادة «تظاهرون» بضم التاء وتخفيف الظاء، وأنكرها أبو عمرو وقال: إنما هذا في المعاونة.

قال القاضي أبو محمد: وليس بمنكر ولفظة ظهار تقتضيه، وقرأ الكسائي وحمزة وأبو بكر عن عاصم «تظاهرون» بفتح التاء والظاء مخففة، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو «تظّهّرون» بشد الظاء والهاء دون ألف، وقرأ يحيى بن وثاب «تظهرون» بضم التاء وسكون الظاء وكسر الهاء، وفي مصحف أبيّ بن كعب «تتظهرون» بتاءين، وكانت العرب تطلق تقول أنت مني كظهر أمي فنزلت الآية وأنزل الله تعالى كفارة الظهار، وتفسير الظهار وبيانه أثبتناه في سورة المجادلة، وقوله وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ الآية سببها أمر زيد بن حارثة كانوا يدعونه زيد بن محمد، وذلك أنه كان عبدا لخديجة، فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقام معه مدة ثم جاء عمه وأبوه يرغبان في فدائه فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم- وذلك قبل البعث-: «خيراه فإن اختاركما فهو لكما دون فداء» ، فخيراه فاختار الرق مع محمد على حريته وقومه، فقال محمد عليه السلام: «يا معشر قريش اشهدوا أنه ابني يرثني وأرثه» ، فرضي بذلك أبوه وعمه

<<  <  ج: ص:  >  >>