للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم أبو سفيان بن حرب، ووردت غطفان وأهل نجد عليهم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، ووردت بنو عامر وغيرهم عليهم عامر ابن الطفيل، إلى غير هؤلاء، فحصروا المدينة، وذلك في شوال سنة خمس من الهجرة على ما قال بن إسحاق، وقال مالك كانت سنة أربع، وكانت بنو قريظة قد عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الهدنة وعاقدوه على أن لا يلحقه منهم ضرر، فلما تمكن هذا الحصار داخلهم بنو النضير، فغدروا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقضوا عهوده، وصاروا له حزبا مع الأحزاب، فضاق الحال على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، ونجم النفاق وساءت الظنون ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر ويعد النصر، وألقى الله تعالى الرعب في قلوب المشركين ويئسوا من الظفر بمنعة الخندق وبما رأوا من جلد المؤمنين، وجاء رجل من قريش اسمه نوفل بن الحارث، وقيل غير هذا، فاقتحم الخندق بفرسه فقتل فيه، فكان ذلك حاجزا بينهم، ثم إن الله تعالى بعث الصبا لنصرة نبيه عليه السلام على الكفار، وهجمت بيوتهم، وأطفأت نارهم، وقطعت حبالهم، وأكفأت قدورهم، ولم يمكنهم معها قرار، وبعث الله مع الصبا ملائكة تشدد الريح وتفعل مثل فعلها، وتلقي الرعب في قلوب الكفرة حتى أزمعوا الرحلة بعد بضع وعشرين ليلة للحصر، فانصرفوا خائبين فهذه الجنود التي لم تر. وقرأ الحسن «وجنودا» بفتح الجيم، وقرأ الجمهور «تعملون» بالتاء فكأن في الآية مقابلة لهم، أي أنتم لم تروا جنوده وهو بصير بأعمالكم يبين في هذا القدرة والسلطان، وقرأ أبو عمرو وحده «يعملون» بالياء على معنى الوعيد للكفرة، وقرأ أبو عمرو أيضا بالتاء وهما حسنتان، وروي عن أبي عمرو «لم يروها» بالياء من تحت، قال أبو حاتم قراءة العامة «لم تروها» بالتاء من فوق، «يعملون» بالياء من تحت، وروي عن الحسن ونافع «تعلمون» بالتاء مكسورة.

قوله عز وجل:

[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ١٠ الى ١٢]

إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (١٠) هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً (١١) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً (١٢)

إِذْ هذه لا بد من الأولى في قوله: إِذْ جاءَتْكُمْ [الأحزاب: ٩] ، وقوله تعالى: مِنْ فَوْقِكُمْ يريد أهل نجد مع عيينة بن حصن، وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ يريد مكة وسائر تهامة، قاله مجاهد وقيل «من فوق وأسفل» هنا إنما يراد به ما يختص ببقعة المدينة، أي نزلت طائفة في أعلى المدينة وطائفة في أسفلها، وهذه عبارة عن الحصر، وزاغَتِ معناه مالت عن مواضعها، وذلك فعل الواله الفزع المختبل، وأدغم الأعمش إِذْ زاغَتِ وبين الذال الجمهور وكل حسن، وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ عبارة عما يجده الهلع من ثوران نفسه وتفرقها شعاعا ويجد كأن حشوته وقلبه يصعد علوا لينفصل، فليس بلوغ القلوب الحناجر حقيقة بالنقلة بل يشير لذلك وتجيش فيستعار لها بلوغ الحناجر، وروى أبو سعيد الخدري أن المؤمنين قالوا يوم الخندق: يا رسول الله بلغت القلوب الحناجر فهل من شيء نقوله، قال: «نعم، قولوا: اللهم استر عوراتنا،

<<  <  ج: ص:  >  >>