للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خفي منه وما ظهر. وقالت فرقة بل قوله بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ تعم جميع المعاصي، وكذلك الفاحشة كيف وردت. ولما كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في مهبط الوحي وفي منزل أوامر الله تعالى ونواهيه قوي الأمر عليهن ولزمهن بسبب مكانتهن أكثر مما يلزم غيرهن، فضوعف لهن الأجر والعذاب، والإشارة بالفاحشة إلى الزنا وغيره، وقرأ ابن كثير وشبل وعاصم «مبيّنة» بالفتح في الياء، وقرأ نافع وأبو عمرو وقتادة «مبينة» بكسر الياء، وقرأت فرقة «يضعف» بالياء على إسناد الفعل إلى الله تعالى، وقرأ أبو عمرو فيما روى عنه خارجة «نضاعف» بالنون المضمومة ونصب «العذاب» وهي قراءة ابن محيصن، وهذه مفاعلة من واحد كطارقت النعل وعاقبت اللص، وقرأ نافع وحمزة والكسائي «يضاعف» بالياء وفتح العين، «العذاب» رفعا، وقرأ أبو عمرو «يضعّف» على بناء المبالغة بالياء «العذاب» رفعا وهي قراءة الحسن وابن كثير وعيسى، وقرأ ابن كثير وابن عامر «نضعّف» بالنون وكسر العين المشددة «العذاب» نصبا وهي قراءة الجحدري. وقوله ضِعْفَيْنِ معناه أن يكون العذاب عذابين، أي يضاف إلى عذاب سائر الناس عذاب آخر مثله، وقال أبو عبيدة وأبو عمرو، وفيما حكى الطبري عنهما، بل يضاعف إليه عذابان مثله فتكون ثلاثة أعذبة وضعفه الطبري، وكذلك هو غير صحيح وإن كان له باللفظ تعلق احتمال ويكون الأجر مرتين مما يفسد هذا القول لأن العذاب في الفاحشة بإزاء الأجر في الطاعة، والإشارة بذلك إلى تضعيف العذاب. ويَقْنُتْ معناه يطيع ويخضع بالعبودية قاله الشعبي وقتادة، وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر «يقنت» بالياء، «وتعمل» بالتاء، و «نؤتها» بالنون، وهي قراءة الجمهور، قال أبو علي أسند «يقنت» إلى ضمير فلما تبين أنه المؤنث حمل فيما يعمل على المعنى، وقرأ حمزة والكسائي كل الثلاثة المواضع بالياء حملا في الأولين على لفظ مَنْ وهي قراءة الأعمش وأبي عبد الرحمن وابن وثاب، وقرأ الأعمش «فسوف يؤتها الله أجرها» ، و «الاعتداد» التيسير والإعداد، و «الرزق الكريم» الجنة، ويجوز أن يكون في ذلك وعد دنياوي، أي أن رزقها في الدنيا على الله وهو كريم من حيث ذلك هو حلال وقصد وبرضى من الله في نيله، وقال بعض المفسرين الْعَذابُ الذي توعد به ضِعْفَيْنِ هو عذاب الدنيا ثم عذاب الآخرة وكذلك الأجر.

قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف، اللهم إلا أن يكون أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا ترفع عنهن حدود الدنيا عذاب الآخرة على ما هي عليه حال الناس بحكم حديث عبادة بن الصامت، وهذا أمر لم يرو في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولا حفظ تقرره. ثم خاطبهن الله تعالى بأنهن لسن كأحد من نساء عصرهن فما بعد، بل هن أفضل بشرط التقوى لما منحهن من صحبة الرسول وعظيم المحل منه ونزول القرآن في لحفهن، وإنما خصص لأن فيمن تقدم آسية ومريم فتأمله، وقد أشار إلى هذا قتادة ثم نهاهن الله تعالى عما كانت الحال عليه في نساء العرب من مكالمة الرجال برخيم القول، و «لا تخضعن» معناه ولا تلن، وقد يكون الخضوع في القول في نفس الألفاظ ورخامتها، وإن لم يكن المعنى مريبا، والعرب تستعمل لفظة الخضوع بمعنى الميل في الغزل ومنه قول ليلى الأخيلية حين قال لها الحجاج: هل رأيت قط من توبة شيئا تكرهينه، قالت: لا والله أيها الأمير إلا أنه أنشدني يوما شعرا ظننت أنه قد خضع لبعض الأمر فأنشدته: [الطويل]

<<  <  ج: ص:  >  >>