للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما بالهبة فلم يكن عنده منهن أحد، وقرأ الحسن البصري وأبيّ بن كعب والثقفي والشعبي، «أن وهبت» بفتح الألف فهي إشارة إلى ما وقع من الهبات قبل نزول الآيات.

قال الفقيه الإمام القاضي: وكسر الألف يجري مع تأويل ابن زيد الذي قدمناه، وفتح الألف يجري مع التأويل الآخر، ومن قرأ بفتح الألف قال الإشارة إلى من وهب نفسه من النساء للنبي صلى الله عليه وسلم على الجملة، قال ابن عباس فيما حكى الطبري هي ميمونة بنت الحارث، وقال علي بن الحسين هي أم شريك، وقال عروة والشعبي هي زينب بنت خزيمة أم المساكين، وقال أيضا عروة بن الزبير خولة بنت حكيم بن الأوقص السلمي ممن وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وفي مصحف عبد الله بن مسعود «وامرأة مؤمنة وهبت» دون «إن» ، وقوله تعالى: خالِصَةً لَكَ أي هبة النساء أنفسهن خالصة ومزية لا يجوز أن تهب المرأة نفسها لرجل، وأجمع الناس على أن ذلك لا يجوز، وأن هذا اللفظ من الهبة لا يتم عليه نكاح إلا ما روي عن أبي حنيفة ومحمد بن الحسن وأبي يوسف أنهم قالوا: إذا وهبت فأشهد هو على نفسه بمهر فذلك جائز.

قال الفقيه الإمام القاضي: فليس في قولهم إلا تجويز العبارة ولفظة الهبة، وإلا فالأفعال التي اشترطها هي أفعال النكاح بعينه.

قال الفقيه الإمام القاضي: ويظهر من لفظ أبيّ بن كعب أن معنى قوله خالِصَةً لَكَ يراد به جميع هذه الإباحة لأن المؤمنين قصروا على مثنى وثلاث ورباع، وقوله تعالى: قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ يريد الولي والشاهدين والمهر والاقتصار على أربع قاله قتادة ومجاهد، وقال أبيّ بن كعب هو مثنى وثلاث ورباع، وقوله تعالى لِكَيْلا أي بينا هذا البيان وشرحنا هذا الشرح لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ويظن بك أنك قد أثمت عند ربك في شيء، ثم أنس تعالى الجميع من المؤمنين بغفرانه ورحمته.

قوله عز وجل:

[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٥١ الى ٥٢]

تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً (٥١) لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً (٥٢)

تُرْجِي معناه تؤخر وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم «ترجيء» بالهمز، وقرأ عاصم في رواية حفص وحمزة والكسائي «ترجي» بغير همز وهما لغتان بمعنى، وَتُؤْوِي معناه تضم وتقرب وقال المبرد هو معدى رجى يرجو تقول رجى الرجل وأرجيته جعلته ذا رجاء، ومعنى هذه الآية أن الله فسح لنبيه فيما يفعله في جهة النساء، والضمير في مِنْهُنَّ عائد على من تقدم ذكره من الأصناف حسب الخلاف المذكور في ذلك، وهذا الإرجاء والإيواء يحتمل معاني، منها أن معناه في القسم أن تقرب من شئت في

<<  <  ج: ص:  >  >>