للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الواو إنما عطفت جملة على جملة وكأن المعنى الإخبار بأن أهل العلم يرون الوحي المنزل على محمد حقا وأنه يهدي إلى صراط الله، وقوله الَّذِي أُنْزِلَ مفعول ب يَرَى، والْحَقَّ مفعول ثان وهو عماد، والَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ قيل هم من أسلم من أهل الكتاب.

وقال قتادة هم أمة محمد المؤمنون به كان من كان، وَيَهْدِي معناه يرشد، و «الصراط» الطريق، وأراد طريق الشرع والدين، ثم حكي عن الكفار مقالتهم التي قالوها على جهة التعجب والهزء، أي قالها بعضهم لبعض كما يقول الرجل لمن يريد أن يعجبه: هل أدلك على أضحوكة ونادرة فلما كان البعث عندهم من البعيد المحال جعلوا من يخبر به في حيز من يتعجب منه، والعامل في إِذا فعل مضمر قبلها فيما قال بعض الناس تقديره «ينبئكم بأنكم تبعثون إذا مزقتم» ، ويصح أن يكون العامل ما في قوله إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ من معنى الفعل لأن تقدير الكلام «ينبئكم إنكم لفي خلق جديد إذا مزقتم» ، وقال الزجاج العامل في إِذا، مُزِّقْتُمْ وهو خطأ وإفساد للمعنى المقصود، ولا يجوز أن يكون العامل يُنَبِّئُكُمْ بوجه، ومُزِّقْتُمْ معناه بالبلى وتقطع الأوصال في القبور وغيرها، وكسر الألف من إِنَّكُمْ لأن يُنَبِّئُكُمْ في معنى يقول لكم ولمكان اللام التي في الخبر، وجَدِيدٍ معناه مجدد، وقولهم أَفْتَرى هو من قول بعضهم لبعض، وهي ألف الاستفهام دخلت على ألف الوصل فحذفت ألف الوصل وبقيت مفتوحة غير ممدودة، فكأن بعضهم استفهم بعضا عن محمد أحال الفرية على الله هي حاله أم حال الجنون، لأن هذا القول إنما يصدر عن أحد هذين فأضرب القرآن عن قولهم وكذبه، فكأنه قال ليس الأمر كما قالوا بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ والإشارة بذلك إليهم، فِي الْعَذابِ يريد عذاب الآخرة لأنهم يصيرون إليه، ويحتمل أن يريد فِي الْعَذابِ في الدنيا بمكابدة الشرع ومكابرته ومحاولة إطفاء نور الله تعالى وهو يتم، فهذا كله عذاب وفي الضَّلالِ الْبَعِيدِ أي قربت الحيرة وتمكن التلف لأنه قد أتلف صاحبه عن الطريق الذي ضل منه.

قوله عز وجل:

[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٩ الى ١١]

أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٩) وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١)

الضمير في يَرَوْا لهؤلاء الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ [سبأ: ٨] وقفهم الله تعالى على قدرته وخوفهم من إحاطتها بهم، المعنى أليس يرون أمامهم ووراءهم سمائي وأرضي لا سبيل لهم إلى فقد ذلك عن أبصارهم ولا عدم إحاطته بهم، وقرأ الجمهور «إن نشأ نخسف» و «نسقط» بالنون في الثلاثة وقرأ حمزة والكسائي «إن يشأ يخسف بهم أو يسقط» بالياء في الثلاثة وهي قراءة ابن وثاب وابن مصرف والأعمش وعيسى واختارها أبو عبيد، و «خسف الأرض» هو إهواؤها بهم وتهورها وغرقهم فيها، و «الكسف» قيل هو

<<  <  ج: ص:  >  >>