للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن عباس وابن مسعود ما مقتضاه إن الضمير عائد على الَّذِينَ والأصناف الثلاثة هي كلها في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ف «الظالم لنفسه» العاصي المسرف، و «المقتصد» متقي الكبائر والجمهور من الأمة، و «السابق» المتقي على الإطلاق، وقالت هذه الفرقة والأصناف الثلاثة في الجنة وقاله أبو سعيد الخدري، والضمير في يَدْخُلُونَها عائد على الأصناف الثلاثة، قالت عائشة: دخلوا الجنة كلهم، وقال كعب الأحبار: استوت مناكبهم ورب الكعبة وتفاضلوا بأعمالهم، وفي رواية تحاكت مناكبهم، وقال أبو إسحاق السبيعي: أما الذي سمعت مذ ستين سنة فكلهم ناج، وقال عبد الله بن مسعود: هذه الأمة يوم القيامة أثلاث، ثلث يدخلون الجنة بغير حساب، وثلث يحاسبون حسابا يسيرا، ثم يدخلون الجنة، وثلث يجيئون بذنوب عظام فيقول الله ما هؤلاء وهو أعلم بهم فتقول الملائكة: هم مذنبون إلا أنهم لم يشركوا فيقول الله عز وجل: أدخلوهم في سعة رحمتي، وقالت عائشة في كتاب الثعلبي: «السابق» من أسلم قبل الهجرة، و «المقتصد» من أسلم بعدها، و «الظالم» نحن، وقال الحسن: «السابق» من رجحت حسناته، و «المقتصد» من استوت سيئاته، و «الظالم» من خفت موازينه، وقال سهل بن عبد الله: «السابق» العالم، و «المقتصد» ، المتعلم، و «الظالم» الجاهل، وقال ذو النون المصري: «الظالم» الذاكر لله بلسانه فقط و «المقتصد» الذاكر بقلبه و «السابق» الذي لا ينساه، وقال الأنطاكي: «الظالم» صاحب الأقوال، و «المقتصد» صاحب الأفعال، و «السابق» صاحب الأحوال، وروى أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية وقال: كلهم في الجنة، وقرأ عمر بن الخطاب هذه الآية ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له» ، وقال صلى الله عليه وسلم: أنا سابق العرب وسلمان سابق فارس وصهيب سابق الروم وبلال سابق الحبشة» .

قال القاضي أبو محمد: أراد صلى الله عليه وسلم أن هؤلاء رؤوس السابقين، وقال عثمان بن عفان:

سابقنا أهل جهادنا ومقتصدنا أهل حضرنا وظالمنا أهل بدونا، لا يشهدون جماعة ولا جمعة، وقال عكرمة والحسن وقتادة ما مقتضاه أن الضمير في مِنْهُمْ عائد على العباد و «الظالم لنفسه» الكافر والمنافق و «المقتصد» المؤمن العاصي و «السابق» التقي على الإطلاق، وقالوا وهذه الآية نظير قوله تعالى في سورة الواقعة وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ [الواقعة: ١٢] والضمير في قوله يَدْخُلُونَها على هذا القول خاص على الفريقين المقتصد والسابق والفرقة الظالمة في النار قالوا وبعيد أن يكون ممن يصطفى ظالم كما يقتضي التأويل الأول، وروي هذا القول عن ابن عباس، وقال بعض العلماء قدم الظالم لأنه لا يتكل إلا على رحمة الله والمقتصد هو المعتدل في أموره لا يسرف في جهة من الجهات بل يلزم الوسط، وقال صلى الله عليه وسلم: «خير الأمور أوساطها» ، وقالت فرقة لا معنى لقولها إن قوله تعالى:

الَّذِينَ اصْطَفَيْنا هم الأنبياء والظالم منهم لنفسه من وقع في صغيرة.

قال القاضي أبو محمد: وهذا قول مردود من غير ما وجه، وقرأ جمهور الناس «سابق بالخيرات» ، وقرأ أبو عمرو الجوني «سباق بالخيرات» ، وبِإِذْنِ اللَّهِ معناه بأمره ومشيئته فيمن أحب من عباده، وقوله تعالى: ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ إشارة إلى الاصطفاء وما يكون عنه من الرحمة، وقال الطبري:

<<  <  ج: ص:  >  >>