للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنذارك وتركه، والألف في قوله في أَأَنْذَرْتَهُمْ ألف التسوية لأنها ليست باستفهام بل المستفهم والمستفهم مستويان في علم ذلك، وقرأ الجمهور «آنذرتهم» بالمد، وقرأ ابن محيصن والزهري «أنذرتهم» بهمزة واحدة على الخبر، وَسَواءٌ رفع بالابتداء، وقوله أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ جملة من فعلين متعادلين تقدر تقدير فعل واحد هو خبر الابتداء، كأنه قال وسواء عليهم جميع فعلك ففسر هذا الجميع ب أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ، ومثله قولهم: سواء عندي أقمت أم قعدت، هكذا ذكر أبو علي في تحقيق الخبر في مثل هذا إذ من الأصول أن الابتداء هو الخبر والخبر هو الابتداء، وقوله إِنَّما تُنْذِرُ ليس على جهة الحصر ب إِنَّما بل على تجهة تخصيص من ينفعه الإنذار، و «اتباع الذكر» هو العمل بما في كتاب الله تعالى والاقتداء به، قال قتادة: الذِّكْرَ القرآن وقوله تعالى: بِالْغَيْبِ أي بالخلوات عند مغيب الإنسان عن عيون البشر، ثم قال تعالى فَبَشِّرْهُ فوحد الضمير مراعاة للفظ من، و «الأجر الكريم» هو كل ما يأخذه الأجير مقترنا بحمد على الأحسن وتكرمة، وكذلك هي للمؤمنين الجنة، ثم أخبر تعالى بإحيائه الموتى ردا على الكفرة، ثم توعدهم بذكره كتب الآثار، وإحصاء كل شيء وكل ما يصنعه الإنسان، فيدخل فيما قدم ويدخل في آثاره لكنه تعالى ذكر الأمر من الجهتين ولينبه على الآثار التي تبقى ويذكر ما قدم الإنسان من خير أو شر، وإلا فذلك كله داخل فيما قدم ابن آدم، وقال قتادة ما قَدَّمُوا معناه من عمل، وقاله ابن زيد ومجاهد وقد يبقى للمرء ما يستن به بعده فيؤجر به أو يأثم، ونظير هذه الآية عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ [الانفطار: ٥] ، وقوله يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ

[القيامة: ١٣] ، وقرأت فرقة «وآثارهم» بالنصب، وقرأ مسروق «وآثارهم» بالرفع، وقال ابن عباس وجابر بن عبد الله وأبو سعيد الخدري إن هذه الآية نزلت في بني سلمة حين أرادوا النقلة إلى جانب المسجد، وقد بينا ذلك في أول السورة، وقال ثابت البناني: مشيت مع أنس بن مالك إلى الصلاة فأسرعت فحبسني فلما انقضت الصلاة قال لي: مشيت مع زيد بن ثابت إلى الصلاة، فأسرعت في مشيي فحبسني فلما انقضت الصلاة قال: مشيت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة فأسرعت في مشيي فحبسني، فلما انقضت الصلاة قال لي: يا زيد أما علمت أن الآثار تكتب.

قال القاضي أبو محمد: فهذا احتجاج بالآية، وقال مجاهد وقتادة والحسن: والآثار في هذه الآية الخطا، وحكى الثعلبي عن أنس أنه قال: الآثار هي الخطا إلى الجمعة، وقيل الآثار ما يبقى من ذكر العمل فيقتدى به فيكون للعامل أجر من عمل بسنته من بعده، وكذلك الوزر في سنن الشر، وقوله تعالى: وَكُلَّ شَيْءٍ نصب بفعل مضمر يدل عليه أَحْصَيْناهُ كأنه قال وأحصينا كل شيء أحصيناه، و «الإمام» الكتاب المقتدى به الذي هو حجة، قال مجاهد وقتادة وابن زيد: أراد اللوح المحفوظ، وقالت فرقة: أراد صحف الأعمال.

قوله عز وجل:

[سورة يس (٣٦) : الآيات ١٣ الى ١٧]

وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤) قالُوا ما أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ (١٥) قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>