للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

امْشُوا، هو دعاء بكسب الماشية، وفي هذا ضعف، لأنه كان يلزم أن تكون الألف مقطعوعة، لأنه إنما يقال: أمشى الرجل إذا صار صاحب ماشية، وأيضا فهذا المعنى غير متمكن في الآية، وإنما المعنى:

سيروا على طريقتكم ودوموا على سيركم، أو يكون المعنى: أمر من نقل الأقدام، قالوه عند انطلاقهم، وهو في مصحف عبد الله بن مسعود: «وانطلق الملأ منهم يمشون أن اصبروا» .

وقولهم: إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ يريدون ظهور محمد وعلوه بالنبوة، أي يراد منا: الانقياد إليه:

وقولهم: ما سَمِعْنا بِهذا يريدون بمثل هذه المقالة أن الإله واحد.

واختلف المتأولون في قولهم: فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ فقال مجاهد: أرادوا ملتهم ونحلتهم التي العرب عليها، ويقال لكل ما تتبعه أمة ما ملة. وقال ابن عباس والسدي: أراد ملة النصارى، وذلك متجه، لأنها ملة شهير فيها التثليث، وأن الإله ليس بواحد. وقالت فرقة معنى قولهم: ما سَمِعْنا أنه يكون مثل هذا، ولا أنه يقال في الملة الآخرة التي كنا نسمع أنها تكون في آخر الزمان، وذلك أنه قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم كان الناس يستشعرون خروج نبي وحدوث ملة ودين، ويدل على صحة هذا ما روي من قول الأحبار ذوي الصوامع، وما روي عن شق وسطيح، وما كانت بنو إسرائيل تعتقد من أنه يكون منهم.

وقولهم: إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ إشارة إلى جميع ما يخبر به محمد صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى، ثم قالوا على جهة التقرير من بعضهم لبعض، ومضمن ذلك الإنكار: أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بمعنى نحن الأشراف الأعلام، فلم خص هذا؟ وكيف يصح هذا؟ فرد الله تعالى قولهم بما تقضيه بل، لأن المعنى ليس تخصيص الله وإنعامه جار على شهواتهم، بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي أي في ريب أن هذا التذكير بالله حق، ثم توعدهم بقوله: بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ أي لو ذاقوه لتحققوا أن هذه الرسالة حق، أي هم لجهالتهم لا يبين لهم النظر، وإنما يبين لهم مباشرة العذاب.

وقرأ ابن مسعود: «أم أنزل» بميم بين الهمزتين، ثم وقفهم احتجاجا عليهم، أعندهم رحمة ربك وخزائنها التي فيها الهدى والنبوءة وكل فضل، فيكون لهم تحكم في الرسالة وغيرها من نعم الله. وأَمْ:

هنا، لم تعادلها ألف، فهي المقطوعة التي معناها إضراب عن الكلام الأول واستفهام، وقدرها سيبويه ب «بل» والألف كقول العرب: إنها لإبل أم شاء. والخزائن للرحمة مستعارة، كأنها موضع جمعها وحفظها من حيث كانت ذخائر البشر تحتاج إلى ذلك خوطبوا في الرحمة بما ينحوا إلى ذلك. وقال الطبري: يعني ب «الخزائن» المفاتيح، والأول أبين، والله أعلم.

قوله عز وجل:

[سورة ص (٣٨) : الآيات ١٠ الى ١٤]

أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ (١٠) جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ (١١) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ (١٢) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ (١٣) إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ (١٤)

أَمْ في هذه الآية معادلة للألف المقدرة في أَمْ [ص: ٩] الأولى، وكأنه تعالى يقول في هذه

<<  <  ج: ص:  >  >>