للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومجاهد وغيرهما: هو عائد على محمد صلى الله عليه وسلم، أي يعرفون صدقه ونبوته، والفريق الجماعة، وخص لأن منهم من أسلم ولم يكتم، والإشارة بالحق إلى ما تقدم من الخلاف في ضمير يَعْرِفُونَهُ، فعم الحق مبالغة في ذمهم، وهُمْ يَعْلَمُونَ ظاهر في صحة الكفر عنادا.

وقوله تعالى: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ، الْحَقُّ رفع على إضمار الابتداء والتقدير هو الحق، ويصح أن يكون ابتداء والخبر مقدر بعده، وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه الْحَقُّ بالنصب، على أن العامل فيه يَعْلَمُونَ، ويصح نصبه على تقدير: الزم الحق.

وقوله تعالى: فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ، الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته، وامترى في الشيء إذا شك فيه، ومنه المراء لأن هذا يشك في قول هذا، وأنشد الطبري- شاهدا على أن الممترين الشاكون- قول الأعشى: [المتقارب]

تدر على اسؤق الممترين ... ركضا إذا ما السراب ارجحن

ووهم في ذلك لأن أبا عبيدة وغيره قالوا: الممترون في البيت هم الذين يمرون الخيل بأرجلهم همزا لتجري كأنهم يحتلبون الجري منها، فليس في البيت معنى من الشك كما قال الطبري.

وقوله تعالى: لِكُلٍّ وِجْهَةٌ

الآية، الوجهة: فعلة من المواجهة كالقبلة، وقوله:

وَعائد على اللفظ المفرد في «كل» ، والمراد به الجماعات.

المعنى: لكل صاحب ملة وجهة هو موليها نفسه، قاله الربيع وعطاء وابن عباس، وقرأ ابن عباس وابن عامر وحده من السبعة هو مولاها، وقالت طائفة: الضمير في وَ/ ١٤٨

عائد على الله تعالى، والمعنى: الله موليها إياهم، وقالت فرقة: المعنى في الآية أن للكل دينا وشرعا وهو دين الله وملة محمد وهو موليها إياهم اتبعها من اتبعها وتركها من تركها، وقال قتادة: المراد بالآية أن الصلاة إلى الشام ثم الصلاة إلى الكعبة لكل واحدة منهما وجهة الله موليها إياهم، وحكى الطبري أن قوما قرؤوا لِكُلٍّ وِجْهَةٌ

بإضافة كل إلى وجهة، وخطأها الطبري.

قال القاضي أبو محمد: وهي متجهة، أي فاستبقوا الخيرات لكل وجهة ولاكموها، ولا تعترضوا فيما أمركم من هذه وهذه، أي إنما عليكم الطاعة في الجميع، وقدم قوله: كُلٍّ وِجْهَةٌ

على الأمر في قوله:

سْتَبِقُوا

للاهتمام بالوجهة كما يقدم المفعول، وذكر أبو عمرو الداني هذه القراءة عن ابن عباس رضي الله عنه وسلمت الواو في وجهة ولم تجر كعدة وزنة لأن جْهَةٌ

ظرف وتلك مصادر فسلمت للفرق، وأيضا فليكمل بناء الهيئة كالجلسة، قال أبو علي: ذهب قوم إلى أنه مصدر شذ عن القياس فسلم، ومال قوم إلى أنه اسم ليس بمصدر.

قال غير أبي علي: وإذا أردت المصدر قلت جهة.

قال القاضي أبو محمد: وقد يقال الجهة في الظرف، وحكى الطبري عن منصور أنه قال: نحن نقرؤها «ولكلّ جعلنا قبلة يرضونها» .

<<  <  ج: ص:  >  >>