للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في هذه الآية للجنس. و: خَوَّلْناهُ معناه: ملكناه. قال الزجاج وغيره: التخويل: العطاء عن غير مجازاة.

والنعمة هنا: عامة في جميع ما يسديه الله إلى العبد، فمن ذلك إزالة الضر المذكور، ومن ذلك الصحة والأمن والمال، وتقوى الإشارة إليه في الآية بقوله: إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ وبقوله آخرا يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ، وبذكر الكسب، وكذلك الضمير في: أُوتِيتُهُ وذلك يحتمل وجوها، منها: أن يريد بالنعمة المال كما قدمناه، ومنها أن يعيد الضمير على المذكور، إذ اسم النعمة يعم ما هو مذكر وما هو مؤنث، ومنها: أن يكون «ما» في قوله: إِنَّما بمعنى الذي، وعلى الوجهين الأولين كافة.

وقوله: عَلى عِلْمٍ في موضع نصب على الحال مع أن تكون «ما» كافة، وأما إذا كانت بمعنى الذي، ف عَلى عِلْمٍ في موضع خبر «إن» ودال على الخبر المحذوف، كأنه قال: هو على علم، يحتمل أن يريد على علم مني بوجه المكاسب والتجارات وغير ذلك، قاله قتادة. ففي هذا التأويل إعجاب بالنفس وتعاط مفرط ونحو هذا، ويحتمل أن يريد على علم من الله في، وشيء سبق لي، واستحقاق حزته عند الله لا يضرني معه شيء، ففي هذا التأويل اغترار بالله تعالى وعجز وتمن على الله. ثم قال تعالى: بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ أي ليس الأمر كما قال، بل هذه الفعلة به فتنة له وابتلاء. ثم أخبر تعالى عمن سلف من الكفرة أنهم قالوا هذه المقالة كقارون وغيره، وأنهم ما أغنى عنهم كسبهم واحتجانهم للأموال، فكذلك لا يغني عن هؤلاء.

ثم ذكر تعالى على جهة التوعد لهؤلاء في نفس المثال أن أولئك أصابهم سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وأن الذين ظلموا بالكفر من هؤلاء المعاصرين لك سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا (وأن الذين ظلموا بالكفر ما أصاب المتقدمين) وهذا خبر من الله تعالى أبرزه الوجود في يوم بدر وغيره. و: «معجزين» معناه مفلتين وناجين بأنفسهم. ثم قرر على الحقيقة في أمر الكسب وسعة النعم فقال: أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هو الذي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لقوم ويضيقه على قوم بمشيئته وسابق علمه، وليس ذلك لكيس أحد ولا لعجزه. وَيَقْدِرُ معناه: يضيق كما قال: وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ [الطلاق: ٧] .

قوله عز وجل:

[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٥٣ الى ٥٥]

قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣) وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (٥٤) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٥٥)

هذه الآية عامة في جميع الناس إلى يوم القيامة في كافر ومؤمن، أي إن توبة الكافر تمحو ذنوبه، وتوبة العاصي تمحو ذنبه. واختلف هل يكون في المشيئة أو هو مغفور له ولا بد؟ فقالت فرقة من أهل السنة: هو مغفور له ولا بد، وهذا مقتضى ظواهر القرآن. وقالت فرقة: التائب في المشيئة، لكن يغلب

<<  <  ج: ص:  >  >>