للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على قسمين: أحدهما بين الفساد حتى يرى جوابه، فعساه يقع في الفاسد المعنى فيبين جهله، وقد تقدم نظير هذه الآية واستيعاب القول في هذا المعنى، ولا يتجه هنا أن يقال خاطب على معتقدهم كما يتجه ذلك في قوله: خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا [الفرقان: ٢٤] فتأمله.

وقوله تعالى: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ وعيد في صيغة الأمر بإجماع من أهل العلم، ودليل الوعيد ومبينه قوله: إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.

ثم قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ. يريد قريشا. و «الذكر» : القرآن بإجماع.

واختلف الناس في الخبر عنهم أين هو؟ فقالت فرقة: هو في قوله: أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ [فصلت: ٤٤] ذكر النقاش أن بلال بن أبي بردة سأل عن هذا في مجلسه وقال: لم أجد لها نفاذا، فقال له أبو عمرو بن العلاء: إنه منك لقريب أُولئِكَ يُنادَوْنَ [فصلت: ٤٤] . ويرد هذا النظر كثرة الحائل، وإن هنالك قوما قد ذكروا بحسن رد قوله: أُولئِكَ يُنادَوْنَ [فصلت: ٤٤] عليهم. وقالت فرقة:

الخبر مضمر تقديره: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ هلكوا أو ضلوا. وقال بعض نحويي الكوفة الجواب في قوله: وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ حكى ذلك الطبري، وهو ضعيف لا يتجه، وسأل عيسى بن عمر عمرو بن عبيد عن هذا، فقال عمرو معناه في التفسير: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ كفروا به وَإِنَّهُ لَكِتابٌ، فقال عيسى بن عمر: أجدت يا أبا عثمان.

قال القاضي أبو محمد: والذي يحسن في هذا هو إضمار الخبر، ولكنه عند قوم في غير هذا الموضع الذي قدره هؤلاء فيه، وإنما هو بعد حَكِيمٍ حَمِيدٍ وهو أشد إظهارا لمذمة الكفار به، وذلك أن قوله:

وَإِنَّهُ لَكِتابٌ داخل في صفة الذكر المكذب به، فلم يتم ذكر المخبر عنه إلا بعد استيفاء وصفه، وهذا كما تقول: تخالف زيدا وهو العالم الودود الذي من شأنه ومن أمره، فهذه كلها أوصاف.

ووصف تعالى الكتاب بالعزة، لأنه بصحة معانيه ممتنع الطعن فيه والإزراء عليه، وهو محفوظ من الله تعالى، قال ابن عباس: معناه كريم على الله تعالى، قال مقاتل: منيع من الشيطان. قال السدي: غير مخلوق.

وقوله: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ قال قتادة والسدي: يريد الشيطان، وظاهر اللفظ يعم الشيطان وأن يجيء أمر يبطل منه شيئا.

وقوله: مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ معناه ليس فيما تقدمه من الكتب ما يبطل شيئا منه. وقوله: وَلا مِنْ خَلْفِهِ أي ليس يأتي بعده من نظر ناظر وفكرة عاقل ما يبطل أشياء منه، والمراد باللفظ على الجملة: لا يأتيه الباطل من جهة من الجهات. وقوله: تَنْزِيلٌ خبر ابتداء، أي هو تنزيل.

وقوله: ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ يحتمل معنيين: أحدهما أن يكون تسلية للنبي عليه السلام عن مقالات قومه، أي ما تلقى يا محمد من المكروه منهم، ولا يقولون لك من الأقوال المؤلمة إلا ما قد قيل ولقي به من تقدمك من الرسل، فلتتأسّ بهم ولتمض لأمر الله ولا يهمنك شأنهم. والمعنى

<<  <  ج: ص:  >  >>