للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من دون الله، أي جزءا ندا، فعلى هذا التأويل فتعقيب الكفرة في فصلين في أمر الأصنام وفي أمر الملائكة، وعلى هذا التأويل الأول فالآية كلها في أمر الملائكة.

وقوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ أي بلفظ الجنس العام، والمراد بعض الإنسان، وهو هؤلاء الجاعلون ومن أشبههم. و: مُبِينٌ في هذا الموضع غير متعد.

وقوله تعالى: أَمِ اتَّخَذَ إضراب وتقرير، وهذه حجة بالغة عليهم. إذ المحمود من الأولاد والمحبوب قد خوله الله بني آدم، فكيف يتخذ هو لنفسه النصيب الأدنى. وَأَصْفاكُمْ معناه: خصكم وجعل ذلك صفوة لكم، ثم قامت الحجة عليهم في هذا المعنى وبانت بقوله تعالى: وَإِذا بُشِّرَ الآية.

ومُسْوَدًّا خبر: ظَلَّ. والكظيم: الممتلئ غيظا الذي قد رد غيظه إلى جوفه، فهو يتجرعه ويروم رده، وهذا محسوس عند الغيظ، ثم زاد توبيخهم وإفساد رأيهم بقوله: أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا. و: مَنْ في موضع نصب بفعل يدل عليه: جَعَلُوا كأنه قال: أومن ينشأ في الحيلة وهو الذي خصصتم به الله ونحو هذا، والمراد به: مَنْ النساء، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي، و: يُنَشَّؤُا معناه: ينبت ويكبر.

وقرأ جمهور القراء: «ينشأ» بفتح الياء. وقرأ ابن عباس وقتادة: «ينشئ» بضم الياء على تعدية الفعل بالهمزة. وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص: «ينشأ» بضم الياء وفتح الشين على تعدية الفعل بالتضعيف، وهي قراءة ابن عباس أيضا والحسن ومجاهد، وفي مصحف ابن مسعود: «أو من لا ينشأ إلا في الحلية» .

و: الْحِلْيَةِ الحلي من الذهب والفضة والأحجار. و: الْخِصامِ المحاجة ومجاذبة المحاورة، وقل ما تجد امرأة إلا تفسد الكلام وتخلط المعاني، وفي مصحف ابن مسعود: «وهو في الكلام غير مبين» .

و: مُبِينٍ في هذه الآية متعد، والتقدير غَيْرُ مُبِينٍ غرضا أو منزعا ونحو هذا. وقال ابن زيد: المراد ب: مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ الآية: الأصنام والأوثان، لأنهم كانوا يتخذون كثيرا منها من الذهب والفضة، وكانوا يجعلون الحلي على كثير منها.

ولما فرغ تعنيفهم على ما أتوا في جهة الله تعالى بقولهم: الملائكة بنات الله، بين تعالى فسادا في مقالتهم بعينها من جهة أخرى من الفساد، وذلك شنيع قولهم في عباد الله مختصين مقربين أنهم إناث.

وقرأ أكثر السبعة وابن عباس وابن مسعود وابن جبير وعلقمة: «عباد الرحمن إناثا» . وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والحسن وأبو رجاء وأبو جعفر والأعرج وشيبة وقتادة وعمر بن الخطاب رضي الله عنه: «عند الرحمن إناثا» وهذه القراءة أدل على رفع المنزلة وقربها في التكرمة كما قيل: ملك مقرب، وقد يتصرف المعنيان في كتاب الله تعالى في وصف الملائكة في غير هذه الآية فقال تعالى: بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ [الأنبياء: ٢٦] ، وقال تعالى في أخرى: فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ [فصلت: ٣٨] ، وفي مصحف ابن مسعود:

«وجعلوا الملائكة عبد الرحمن إناثا» .

وقرأ نافع وحده «أأشهدوا» بالهمزتين وبلا مد بينهما، وبفتح الأولى وضم الثانية وتسهيلها بين الهمزة

<<  <  ج: ص:  >  >>