للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانوا يعرفون أن موسى قد ذكر محمدا وبشر به، فأشاروا إلى موسى من حيث كان هذا الأمر مذكورا في توراته. قال ابن عباس في كتاب الثعلبي: لم يكونوا علموا أمر عيسى عليه السلام، فلذلك قالوا مِنْ بَعْدِ مُوسى. وقولهم: مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يؤيد هذا. و: ما بَيْنَ يَدَيْهِ هي التوراة والإنجيل.

والْحَقِّ و «الطريق المستقيم» هنا بمعنى يتقارب لكن من حيث اختلف اللفظ، وربما كان الْحَقِّ أعم، وكأن أحدهما قد يقع في مواضع لا يقع فيها الآخر حسن التكرار. و: داعِيَ اللَّهِ هو محمد عليه السلام، والضمير في: بِهِ عائد على الله تعالى.

وقوله: يَغْفِرْ معناه: يغفر الله. وَيُجِرْكُمْ معناه: يمنعكم ويجعل دونكم جوار حفظه حتى لا ينالكم عذاب.

وقوله تعالى: وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ الآية، يحتمل أن يكون من كلام المنذرين، ويحتمل أن يكون من كلام الله تعالى لمحمد عليه السلام، والمراد بها إسماع الكفار وتعلق اللفظ إلى هذا المعنى من قول الجن: أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ فلما حكى ذلك قيل ومن لا يفعل هذا فهو بحال كذا، والمعجز الذاهب في الأرض الذي يبدي عجز طالبه ولا يقدر عليه، وروي عن ابن عامر: «وليس لهم من دونه» بزيادة ميم.

وقوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا الضمير لقريش، وهذه آية مثل واحتجاج، لأنهم قالوا إن الأجساد لا يمكن أن تبعث ولا تعاد، وهم مع ذلك معترفون بأن الله تعالى خلق السماوات والأرض فأقيمت عليهم الحجة من أقوالهم. والرؤية في قوله: أَوَلَمْ يَرَوْا رؤية القلب.

وقرأ جمهور الناس: «ولم يعي» بسكون العين وفتح الياء الأخيرة. وقرأ الحسن بن أبي الحسن «يع» بكسر العين وسكون الياء وذلك على حذف.

والباء في قوله: بِقادِرٍ زائدة مؤكدة، ومن حيث تقدم نفي في صدر الكلام حسن التأكيد بالباء وإن لم يكن المنفي ما دخلت على عليه كما هي في قولك: ما زيد بقائم كان بدل أَوَلَمْ يَرَوْا أو ليس الذي خلق.

وقرأ ابن عباس وجمهور الناس: «بقادر» وقرأ الجحدري والأعرج وعيسى وعمرو بن عبيد: «يقدر» بالياء على فعل مستقبل، ورجحها أبو حاتم وغلط قراءة الجمهور لقلق الباء عنده. وفي مصحف عبد الله بن مسعود «بخلقهن قادر» .

و: بَلى جواب بعد النفي المتقدم، فهي إيجاب لما نفي، والمعنى: بلى رأوا ذلك أن لو نفعهم ووقع في قلوبهم، ثم استأنف اللفظ الإخبار المؤكد بقوله: إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

قوله عز وجل:

[سورة الأحقاف (٤٦) : الآيات ٣٤ الى ٣٥]

وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٤) فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (٣٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>