للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعنى: واذكر يوم، وهذا وعيد للكفار من قريش وسواهم. والعرض في هذه الآية، عرض مباشرة، كما تقولون عرضت الجاني على السوط. والمعنى يقال لهم أليس هذا العذاب حقا وقد كنتم تكذبون به؟

فيجيبون: بَلى وَرَبِّنا، وذلك تصديق حيث لا ينفع، وروي عن الحسن أنه قال: إنهم ليعذبون في النار وهم راضون بذلك لأنفسهم يعترفون أنه العدل، فيقول لهم المحاور من الملائكة عند ذلك فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ أي بسبب كفركم.

وقوله تعالى: فَاصْبِرْ الفاء عاطفة هذه الجملة من الوصاة على هذه الجملة من الإخبار عن حال الكفرة في الآخرة، والمعنى بينهما مرتبط، أي هذه حالهم مع الله، فلا تستعجل أنت فيما حملته واصبر له ولا تخف في الله أحدا.

وقوله: مِنَ الرُّسُلِ مِنَ للتبعيض، والمراد من حفظت له مع قومه شدة ومجاهدة كنوح وإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم صلى الله عليهم، هذا قول عطاء الخراساني وغيره. وقال ابن زيد ما معناه: إن مِنَ لبيان الجنس. قال: والرسل كلهم أُولُوا الْعَزْمِ، ولكن قوله: كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ يتضمن رسلا وغيرهم، فبين بعد ذلك جنس الرسل خاصة تعظيما لهم، ولتكون القدوة المضروبة لمحمد عليه السلام أشرف، وذكر الثعلبي هذا القول عن علي بن مهدي الطبري. وحكي عن أبي القاسم الحكيم أنه قال: الرسل كلهم أولو عزم إلا يونس عليه السلام وقال الحسن بن الفضل: هم الثمانية عشر المذكورين في سورة الأنعام، لأنه قال بعقب ذكرهم أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام: ٩٠] . وقال مقاتل هم ستة: نوح صبر على أذى قومه طويلا، وإبراهيم صبر للناس، وإسحاق صبر نفسه للذبح، ويعقوب صبر على الفقد لولده وعمي بصره وقال: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ [يوسف: ٨٣] ، ويوسف على السجن وفي البئر، وأيوب صبر على البلاء.

قال القاضي أبو محمد: وانظر أن النبي عليه السلام قال في موسى: «يرحم الله موسى، أوذي بأكثر من هذا فصبر» ، ولا محالة أن لكل نبي ورسول عزما وصبرا.

وقوله: وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ معناه لا تستعجل لهم عذابا، فإنهم إليه صائرون، ولا تستطل تعميرهم في هذه النعمة، فإنهم يوم يرون العذاب كأنهم لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة لاحتقارهم ذلك، لأن المنقضي من الزمان إنما يصير عدما، فكثيره الذي ساءت عاقبته كالقليل.

وقرأ أبي بن كعب «ساعة من النهار» . وقرأ جمهور القراء والناس: «بلاغ» وذلك يحتمل معاني، أحدها: أن يكون خبر ابتداء، المعنى: هذا بلاغ، وتكون الإشارة بهذا إلى القرآن والشرع، أي هذا إنذار وتبليغ، وإما إلى المدة التي تكون كساعة كأنه قال: لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً كانت بلاغهم، وهذا كما تقول: متاع قليل ونحوه من المعنى. والثاني: أن يكون ابتداء والخبر محذوف. والثالث: ما قاله أبو مجلز

<<  <  ج: ص:  >  >>