للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقرأ جمهور الناس في كل الأمصار: «لتؤمنوا بالله» على مخاطبة الناس، على معنى قل لهم، وكذلك الأفعال الثلاثة بعد، وقرأ أبو عمرو بن العلاء وابن كثير وأبو جعفر: «ليؤمنوا» بالياء على استمرار خطاب محمد عليه السلام، وكذلك الأفعال الثلاثة بعد. وقرأ الجحدري: «وتعزروه» بفتح التاء وسكون العين وضم الزاي. وقرأ محمد بن السميفع اليماني وابن عباس: «وتعززوه» بزاءين، من العزة. وقرأ جعفر بن محمد: «وتعزروه» بفتح التاء وسكون العين وكسر الزاي ومعنى: تُعَزِّرُوهُ تعظموه وتكبروه، قاله ابن عباس: وقال قتادة معناه: تنصروه بالقتال وقال بعض المتأولين: الضمائر في قوله: وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ هي كلها لله تعالى. وقال الجمهور: تُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ هما للنبي عليه السلام، وَتُسَبِّحُوهُ هي لله، وهي صلاة البردين.

وقرأ عمر بن الخطاب: «وتسبحوا الله» ، وفي بعض ما حكى أبو حاتم: «وتسبحون الله» ، بالنون، وقرأ ابن عباس: «ولتسبحوا الله» . والبكرة: الغدو. والأصيل: العشي.

وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ يريد في بيعة الرضوان، وهي بيعة الشجرة حين أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الأهبة لقتال قريش لما بلغه قتل عثمان بن عفان رسوله إليهم، وذلك قبل أن ينصرف من الحديبية، وكان في ألف وأربعمائة رجل. قال النقاش: وقيل كان في ألف وثمانمائة، وقيل وسبعمائة، وقيل وستمائة، وقيل ومائتين.

قال القاضي أبو محمد: وبايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصبر المتناهي في قتال العدو إلى أقصى الجهد، حتى قال سلمة بن الأكوع وغيره: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت، وقال عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا نفر.

والمبايعة في هذه الآية مفاعلة من البيع، لأن الله تعالى اشترى منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، وبقي اسم البيعة بعد معاقدة الخلفاء والملوك، وعلى هذا سمت الخوارج أنفسهم الشراة، أي اشتروا بزعمهم الجنة بأنفسهم. ومعنى: إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ أن صفقتهم إنما يمضيها ويمنح ثمنها الله تعالى.

وقرأ تمام بن العباس بن عبد المطلب: إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ. قال أبو الفتح: ذلك على حذف المفعول لدلالة الأول عليه وقربه منه.

وقوله تعالى: يَدُ اللَّهِ قال جمهور المتأولين: اليد، بمعنى: النعمة، أي نعمة الله في نفس هذه المبايعة لما يستقبل من محاسنها. فَوْقَ أَيْدِيهِمْ التي مدوها لبيعتك. وقال آخرون: يَدُ اللَّهِ هنا، بمعنى: قوة الله فوق قواهم، أي في نصرك ونصرهم، فالآية على هذا تعديد نعمة عليهم مستقبلة مخبر بها، وعلى التأويل الأول تعديد نعمة حاصلة تشرف بها الأمر. قال النقاش يَدُ اللَّهِ في الثواب.

وقوله: فَمَنْ نَكَثَ أي فمن نقض هذا العهد فإنما يجني على نفسه وإياها يهلك، فنكثه عليه لا له.

وقرأ جمهور القراء: «بما عاهد عليه الله» بالنصب على التعظيم. وقرأ ابن أبي إسحاق: «ومن أوفى

<<  <  ج: ص:  >  >>