للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في اللام من قوله: لِلْإِنْسانِ فإذا حققت الشيء الذي هو حق الإنسان يقول فيه لي كذا لم يجده إلا سعيه، وما بعد من رحمة ثم شفاعة أو رعاية أب صالح أو ابن صالح أو تضعيف حسنات أو تغمد بفضل ورحمة دون هذا كله فليس هو للإنسان ولا يسعه أن يقول لي كذا إلا على تجوز وإلحاق بما هو له حقيقة.

واحتج بهذه الآية من يرى أنه لا يعمل أحد عن أحد بعد موته ببدن ولا مال. وفرق بعض العلماء بين البدن والمال، وهي عندي كلها فضائل للعامل وحسنات تذكر للمعمول عنه، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سعدا بالصدقة عن أمه، والسعي: التكسب.

وقوله: يُرى فاعله حاضر والقيامة، أي يراه الله ومن شاهد الأمر، وفي عرض الأعمال على الجميع تشريف للمحسنين وتوبيخ للمسيئين، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سمع بأخيه فيما يكره سمع الله به سامع خلقه يوم القيامة» . وفي قوله: ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى وعيد للكافرين ووعد للمؤمنين. و: الْمُنْتَهى يحتمل أن يريد به الحشر، والمصير بعد الموت فهو منتهى بالإضافة إلى الدنيا وإن كان بعده منتهى آخر وهو الجنة أو النار، ويحتمل أن يريد ب الْمُنْتَهى: الجنة أو النار، فهو منتهى على الإطلاق، لكن في الكلام حذف مضاف إلى عذاب ربك أو رحمته. وقال أبي بن كعب قال النبي عليه السلام في قوله تعالى: وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى لا فكرة في الرب. وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ذكر الرب فانتهوا» . وقال أبو هريرة: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما إلى أصحابه فقال: «فيم أنتم» ؟ قالوا: نتفكر في الخالق، فقال: «تفكروا في الخلق، لا تتفكروا في الخالق، فإنه لا تحيط به الفكرة» الحديث، وذكر الضحك والبكاء لأنهما صفتان تجمعان أصنافا كثيرة من الناس، إذ الواحدة دليل السرور، والأخرى دليل الحزن في الدنيا والآخرة، فنبه تعالى على هاتين الخاصتين اللتين هما للإنسان وحده، وقال مجاهد المعنى: أَضْحَكَ الله أهل الجنة وَأَبْكى أهل النار. وحكى الثعلبي في هذا أقوالا استعارية كمن قال أَضْحَكَ الأرض بالنبات، وَأَبْكى السماء بالمطر، ونحوه:

وأَماتَ وَأَحْيا. وحكى الثعلبي قولا إنه أحيا بالإيمان وأمات بالكفر. والزَّوْجَيْنِ في هذه الآية يريد به المصطحبين من الناس من الرجل والمرأة وما ضارع من الحيوان، والخنثى متميز ولا بد لأحد الجهتين.

والنطفة في اللغة: القطعة من الماء كانت يسيرة أو كثيرة. ويراد بها هاهنا ماء الذكران.

وقوله: تُمْنى يحتمل أن يكون من قولك: أمنى الرجل: إذا خرج منه المني، ويحتمل أن يكون من قولك منى الله الشيء: إذا خلقه، فكأنه قال: إذا تخلق وتقدر، و: النَّشْأَةَ الْأُخْرى هي إعادة الأجسام إلى الحشر بعد البلي في التراب. وقرأ الناس: «النشأة» بسكون الشين والهمز والقصر، وقرأ أبو عمرو والأعرج: «النشآة» ممدودة.

وَأَقْنى معناه: أكسب، يقال: قنبت المال، أي كسبته، ثم يعدى بعد ذلك بالهمزة، وقد يعدى بالتضعيف، ومنه قول الشاعر: [البسيط]

كم من غني أصاب الدهر ثروته ... ومن فقير يقنى بعد إقلال

وعبر المفسرون عن أَقْنى بعبارات مختلفة. وقال بعضهم: أَقْنى معناه: أكسب ما يقتني،

<<  <  ج: ص:  >  >>