للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ أي لاستقبال عدتهن وقوامها وتقريبها عليهن، وقرأ عثمان وابن عباس وأبي بن كعب وجابر بن عبد الله ومجاهد وعلي بن الحسين وزيد بن علي وجعفر بن محمد: «فطلقوهن في قبل عدتهن» ، وروي عن بعضهم وعن ابن عمر «لقبل طهرهن» ، ومعنى هذه الآية، أن لا يطلق أحد امرأته إلا في طهر لم يمسها فيه، هذا على مذهب مالك وغيره ممن قال: بأن الأقراء الاطهار فيطلق عندهم المطلق في طهر لم يمس فيه وتعتد به المرأة، ثم تحيض حيضتين تعتد بالطهر الذي بينهما، ثم يقيم في الطهر الثالث معتدة به، فإذا رأت أول الحيضة الثالثة حلت، ومن قال: بأن الإقراء الحيض وهم العراقيون قال: لِعِدَّتِهِنَّ، معناه أن تطلق طاهرا، فتستقبل ثلاث حيض كوامل، فإذا رأت الطهر بعد الثالثة حلت ويخف عند هؤلاء مس في طهر الطلاق أو لم يمس، وكذلك مالك يقول: إن طلق في طهر قد مس فيه معنى الطلاق، ولا يجوز طلاق الحائض، لأنها تطول العدة عليها، وقيل بل ذلك تعبد ولو علل بالتطويل لا ينبغي أن يجوز إذا رضيته، والأصل في ذلك حديث عبد الله بن عمر قال: طلقت امرأتي وهي حائض، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لعمر: «مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم يطلقها إن شاء، فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء» . وروى حذيفة أنه عليه السلام قال: «طلقوا المرأة في قبل طهرها» ، ثم أمره تعالى بإحصاء العدة لما يلحق ذلك من أحكام الرجعة والسكنى والميراث وغير ذلك، ثم أخبر تعالى بأنهن أحق بسكنى بيوتهن التي طلقن فيها، فنهى عن إخراجهن وعن خروجهن، وسنة ذلك أن لا تبيت المرأة المطلقة عن بيتها ولا تغيب عنه نهارا إلا في ضرورة، ومما لا خطب له من جائز التصرف وذلك لحفظ النسب والتحرز بالنساء، فإن كان البيت ملكا للزوج أو بكراء منه فهذا حكمه، فإن كان لها فعليه الكراء، فإن كان قد أمتعته طول الزوجية ففي لزوم خروج العدة له قولان في المذهب اللزوم رعاية لانفصال مكارمة النكاح، والسقوط من أجل العدة من سبب النكاح، واختلف الناس في معنى قوله: إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فقال قتادة والحسن ومجاهد:

ذلك الزنا فيخرجن للحد، وهذا قول الشعبي وزيد بن أسلم وحماد والليث، وقال ابن عباس: ذلك النداء على الإحماء، فتخرج ويسقط حقها من السكنى وتلزم الإقامة في مسكن يتخذه حفظا للنسب. وفي مصحف أبي بن كعب «إلا أن يفحشن عليكم» ، وقال ابن عباس أيضا الفاحشة جميع المعاصي، فمن سرقت أو قذفت أو زنت أو أربت في تجارة وغير ذلك فقد سقط حقها في السكنى، وقال السدي وابن عمر:

الفاحشة الخروج عن البيت، خروج انتقال، فمتى فعلت ذلك، فقد سقط حقها في السكنى، وقال قتادة أيضا: المعنى أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ في نشوز عن الزوج فيطلق بسبب ذلك، فلا يكون عليه سكنى. وقال بعض الناس الفاحشة متى وردت معرفة فهي الزنا، ومتى جاءت منكرة فهي المعاصي يراد بها سوء عشرة الزوج ومرة غير ذلك، وقرأ عاصم: «مبيّنة» بفتح الياء المشددة تقول: بان الأمر وبينته أنا على تضعيف التعدية، وقرأ الجمهور: «مبيّنة» بكسر الياء، تقول بان الشيء وبين بمعنى واحد، إلا أن التضعيف للمبالغة، ومن ذلك قولهم قد بين الصبح لذي عينين وقوله تعالى: وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ إشارة إلى جميع أوامره في هذه الآية، وقوله تعالى: لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً، قال قتادة وغيره: يريد به الرجعة، أي أحصوا العدة وامتثلوا هذه الأوامر المتفقة لنسائكم

<<  <  ج: ص:  >  >>