للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السماء الدنيا فهذا اللفظ عام للكواكب، وإن كان في سائر السماوات كواكب، فإما أن يريد كواكب سماء الدنيا فقط، وإما أن يريد الجميع على أن ما في غيرها لما كانت هي تشق عنه، ويظهر منها، فقد زينت به بوجه ما، ومن تكلف القول بمواضع الكواكب وفي أي سماء هي، فقوله ليس من الشريعة. وقوله تعالى: وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ معناه وجعلنا منها، وهذا كما تقول: أكرمت بني فلان وصنعت بهم وأنت إنما فعلت ذلك ببعضهم دون بعض، ويوجب هذا التأويل في الآية أن الكواكب الثابتة والبروج، وكل ما يهتدى به في البر والبحر فليست براجم، وهذا نص في حديث السير، وقال قتادة رحمه الله: خلق الله تعالى النجوم زينة للسماء ورجوما للشياطين وليهتدى بها في البر والبحر، فمن قال غير هذه الخصال الثلاث فقد تكلف وأذهب حظه من الآخرة. وَأَعْتَدْنا معنا: أعددنا والضمير في: لَهُمْ عائد على الشياطين، وقرأ جمهور الناس: «وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم» بالرفع على الابتداء والخبر في المجرور المتقدم، وقرأ الحسن في رواية هارون عنه: «عذاب» بالنصب على معنى «وأعتدنا للذين كفروا عذاب جهنم» ، قالوا: وعاطفة فعل على فعل، وتضمنت هذه الآية، أن عذاب جهنم للكافرين المخلدين، وقد جاء في الأثر أنه يمر على جهنم زمن تخفق أبوابها قد أخلتها الشفاعة، فالذي قال في هذا إن جَهَنَّمَ اسم تختص به الطبقة العليا من النار ثم قد تسمى الطبقات كلها جهنم باسم بعضها، وهكذا كما يقال النجم للثريا، ثم يقال ذلك للكواكب اسم جنس فالذي في هذه الآية هي جهنم بأسرها، أي جميع الطبقات، والتي في الأثر هي الطبقة العليا، لأنها مقر العصاة، والشهيق: أقبح ما يكون من صوت الحمار، فاحتدام النار وغليانها بصوت مثل ذلك، قوله تعالى: تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ أي يزايل بعضها بعضا لشدة الاضطراب كما قال الشاعر في صفة الكلب المحتدم في جربه: [الرجز] :

يكاد أن يخرج عن إهابه وقرأ الضحاك: «تمايز» بألف، وقرأ طلحة: «تتميز» بتاءين، وقرأ الجمهور: «تكاد تميز» بضم الدال وفتح التاء مخففة، وقرأ البزي: «تكاد» بضم الدال وشد التاء أنها «تتميز» وأدغم إحدى التاءين في الأخرى.

وقرأ أبو عمرو بن العلاء: تَكادُ تَمَيَّزُ بإدغام الدال في التاء، وهذا فيه إدغام الأقوى في الأضعف، وقوله تعالى: مِنَ الْغَيْظِ معناه على الكفرة بالله، وقوله تعالى: كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ، الفوج: الفريق من الناس، ومنه قوله تعالى: فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً [النصر: ٢] الآية، تقتضي أنه لا يلقى فيها أحد إلا سئل على جهة التوبيخ عن النذر فأقر بأنهم جاؤوا وكذبوهم، وقوله: كُلَّما حصر. فإذا الآية تقتضي في الأطفال من أولاد المشركين وغيرهم، وفيمن نقدره صاحب فترة أنهم لا يدخلون النار لأنهم لم يأتهم نذير، واختلف الناس في أمر الأطفال، فأجمعت الأمة على أن أولاد الأنبياء في الجنة، واختلفوا في أولاد المؤمنين، فقال الجمهور: هم في الجنة، وقال قوم هم في المشيئة، واختلفوا في أولاد المشركين، فقالت فرقة: هم في النار، واحتجوا بحديث روي من آبائهم، وتأول مخالف هذا الحديث، أنهم في أحكام الدنيا، وقال: هم في المشيئة، وقال فريق: هم في الجنة، واحتج هذا الفريق بهذه الآية في مساءلة

<<  <  ج: ص:  >  >>