للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم أحال على العبرة في أمر الطَّيْرِ، وما أحكم من خلقتها وذلك بين عجز الأصنام والأوثان عنه، و: صافَّاتٍ جمع صافة، وهي التي تبسط جناحيها وتصفهما حتى كأنها ساكنة، وقبض الجناح: ضمه إلى الجثة ومنه قول أبي خراش: [الطويل] يحث الجناح بالتبسط والقبض وهاتان حالان للطائر يستريح من إحداهما للأخرى. وقوله تعالى: وَيَقْبِضْنَ عطف المضارع على اسم الفاعل وذلك جائز كما عطف اسم الفاعل على المضارع في قول الشاعر: [الرجز]

بات يغشّيها بعضب باتر ... يقصد في أسوقها وجائر

وقرأ طلحة بن مصرف: «أمن» بتخفيف الميم في هذه، وقرأ التي بعدها مثقلة كالجماعة والجند أعوان الرجل على مذاهبه، وقوله تعالى: إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ خطاب لمحمد بعد تقرير، قل لهم يا محمد أَمَّنْ هذَا.

قوله عز وجل:

[سورة الملك (٦٧) : الآيات ٢١ الى ٢٥]

أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (٢١) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٢) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٢٣) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥)

هذا أيضا توقيف على أمر لا مدخل للأصنام فيه، والإشارة بالرزق إلى المطر، لأنه عظم الأرزاق، ثم أخبر تعالى عنهم أنهم: لَجُّوا وتمادوا في التمنع عن طاعة الله، وهو العتو في نفور، أي بعد عن الحق بسرعة ومبادرة، يقال: نفر عن الأمر نفورا، وإلى الأمر نفيرا، ونفرت الدابة نفارا.

واختلف أهل التأويل في سبب قوله: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا الآية، فقال جماعة من رواة الأسباب:

نزلت مثلا لأبي جهل بن هشام وحمزة بن عبد المطلب، وقال ابن عباس وابن الكلبي وغيره: نزلت مثلا لأبي جهل بن هشام ومحمد صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عباس أيضا ومجاهد والضحاك: نزلت مثالا للمؤمنين والكافرين على العموم، وقال قتادة: نزلت مخبرة عن حال القيامة، وإن الكفار يمشون فيها على وجوههم، والمؤمنون يمشون على استقامة، وقيل للنبي: كيف يمشي الكافر على وجهه؟ قال: «إن الذي أمشاه في الدنيا على رجليه قادر على أن يمشيه في الآخرة على وجهه» .

قال القاضي أبو محمد: فوقف الكفار على هاتين الحالتين حينئذ، ففي الأقوال الثلاثة الأول المشي مجاز يتخيل، وفي القول الرابع هو حقيقة يقع يوم القيامة ويقال: أكب الرجل، إذا رد وجهه إلى الأرض، وكبه: غبره، قال عليه السلام: «وهل يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم» ، فهذا الفعل

<<  <  ج: ص:  >  >>