للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقومهم من الجن. وقولهم أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً، يحتمل معنيين أحدهما: بعث الحشر من القبور، والآخر بعث آدمي رسولا. وأَنْ في قوله أَنْ لَنْ مخففة من «أن» الثقيلة وهي تسد مسد المفعولين.

وذكر المهدوي تأويلا أن المعنى وأن الجن ظنوا كما ظننتم أيها الإنس فهي مخاطبة من الله تعالى. وقولهم وَأَنَّا لَمَسْنَا قال معناه التمسنا ويظهر بمقتضى كلام العرب أنها استعارة لتجربتهم أمرها وتعرضهم لها فسمي ذلك لمسا إذ كان اللمس غاية غرضهم ونحو هذا قول المتنبي: [الطويل]

تعد القرى والمس بنا الجيش لمسة ... نبادر إلى ما تشتهي يدك اليمنى

فعبر عن صدم الجيش بالجيش وحربه باللمس، وهذا كما تقول المس فلانا في أمر كذا، أي جرب مذهبه فيه، ومُلِئَتْ إما أن يكون في موضع المفعول الثاني ل «وجدنا» ، وإما أن يقصر الفعل على مفعول واحد ويكون مُلِئَتْ في موضع الحال، وكان الأعرج يقرأ «مليت» لا يهمز، والشهب: كواكب الرجم، والحرس: يحتمل أن يريد الرمي بالشهب. وكرر المعنى بلفظ مختلف، ويحتمل أن يريد الملائكة، ومَقاعِدَ جمع مقعد، وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم صورة قعود الجن أنهم كانوا واحدا فوق واحد، فمتى أحرق الأعلى طلع الذي تحته مكانه، فكانوا يسترقون الكلمة فيلقونها إلى الكهان ويزيدون معها ثم يزيد الكهان بالكلمة مائة كذبة، وقوله: فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ الآية قطع على أن كل من استمع الآن أحرقه شهاب. فليس هنا بعد سمع، إنما الإحراق عند الاستماع، وهذا يقتضي أن الرجم كان في الجاهلية. ولكنه لم يكن يستأصل وكان الحرس ولكنه لم يكن شديدا، فلما جاء الإسلام اشتد الأمر حتى لم يكن فيه ولا يسير سماحة، ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وقد رأى كوكبا راجما: «ماذا كنتم تقولون لهذا في الجاهلية؟ قالوا كنا نقول: ولد ملك، مات ملك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس الأمر كذلك، ثم وصف صورة قعود الجن» . وقد قال عوف بن الجزع وهو جاهلي: [الكامل]

فانقض كالدري يتبعه ... نقع يثور تخاله طنبا

وهذا في أشعارهم كثير، ورَصَداً نعت لشهاب ووصفه بالمصدر، وقوله: وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ الآية، معناه لا ندري أيؤمن الناس بهذا النبي فيرشدون، أم يكفرون به فينزل بهم الشر.

قوله عز وجل:

[سورة الجن (٧٢) : الآيات ١١ الى ١٥]

وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً (١١) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً (١٢) وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً (١٣) وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (١٤) وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (١٥)

وقولهم وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ، أي غير الصالحين كأنه قال: ومنا قوم أو فرقة دون صالحين، وهي لفظة

<<  <  ج: ص:  >  >>