للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا هو اعتراف الكفار على أنفسهم وفي نفي الصلاة يدخل الإيمان بالإيمان بالله والمعرفة به والخشوع والعبادة. والصلاة تنتظم على عظم الدين وأوامر الله تعالى وواجبات العقائد، وإطعام المساكين ينتظم الصدقة فرضا وطواعية، وكل إجمال ندبت إليه الشريعة بقول أو فعل والخوض مَعَ الْخائِضِينَ عرفه في الباطل، قال قتادة: المعنى كلما غوى غاو غووا معه، والتكذيب بِيَوْمِ الدِّينِ كفر صراح وجهل بالله تعالى، والْيَقِينُ معناه عندي صحة ما كانوا يكذبون به من الرجوع إلى الله تعالى والدار الآخرة، وقال المفسرون: الْيَقِينُ الموت، وذلك عندي هنا متعقب لأن نفس الموت يقين عند الكافر وهو حي، فإنما الْيَقِينُ الذي عنوا في هذه الآية الشيء الذي كانوا يكذبون به وهم أحياء في الدنيا فتيقنوه بعد الموت.

وإنما يتفسر اليقين بالموت في قوله تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر: ٩٩] . ثم أخبر تعالى أن شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ لا تنفعهم فتقرر من ذلك أن ثم شافعين، وفي صحة هذا المعنى أحاديث:

قال صلى الله عليه وسلم: «يشفع الملائكة ثم النبيون ثم العلماء ثم الشهداء ثم الصالحون، ثم يقول الله تعالى: شفع عبادي وبقيت شفاعة أرحم الراحمين، فلا يبقى في النار من كان له إيمان» ، وروى الحسن أن الله تعالى يدخل الجنة بشفاعة رجل من هذه الأمة مثل ربيعة ومضر وفي رواية أبي قلابة أكثر من بني تميم، وقال الحسن كنا نتحدث أن الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته، ثم قال عز وجل: فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ أي والحال المنتظرة هي هذه الموصوفة، وقوله تعالى في صفة الكفار المعرضين بتول واجتهاد في نفور كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ إثبات لجهالتهم لأن الحمر من جاهل الحيوان جدا، وقرأ الأعمش:

«حمر» بإسكان الميم، وفي حرف ابن مسعود «حمر نافرة» ، وقرأ نافع وابن عامر والمفضل عن عاصم:

«مستنفرة» بفتح الفاء، وقرأ الباقون بكسرها، واختلف عن نافع وعن الحسن والأعرج ومجاهد، فأما فتح الفاء فمعناها استنفرها فزعها من القسورة، وأما كسر الفاء فعلى أن نفر واستنفر بمعنى واحد مثل عجب واستعجب وسخر واستسخر فكأنها نفرت هي، ويقوي ذلك قوله تعالى: فَرَّتْ وبذلك رجح أبو علي قراءة كسر الفاء، واختلف المفسرون في معنى القسورة فقال ابن عباس وأبو موسى الأشعري وقتادة وعكرمة: «القسورة» الرماة، وقال ابن عباس أيضا وأبو هريرة وجمهور من اللغويين: «القسورة» الأسد، ومنه قول الشاعر: [الرجز]

مضمر تحذره الأبطال ... كأنه القسورة الرئبال

وقال ابن جبير: «القسورة» : رجال القنص، وقاله ابن عباس أيضا، وقيل: «القسورة» ركز الناس، وقيل: «القسورة» الرجال الشداد، قال لبيد:

إذا ما هتفنا هتفة في ندينا ... أتانا الرجال العاندون القساور

وقال ثعلب: «القسورة» سواد أول الليل خاصة لآخره أو اللفظة مأخوذة من القسر الذي هو الغلبة والقهر، وقوله تعالى: بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً معناه من هؤلاء المعارضين، أي يريد كل إنسان منهم أن ينزل عليه كتاب من الله، وكان هذا من قول عبد الله بن أبي أمية وغيره. وروي أن

<<  <  ج: ص:  >  >>