للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روي في قوله تعالى: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ أنها تساق إلى الحشر بسبعين ألف زمام، يمسك كل زمام سبعون ألف ملك فيخرج منها عنق فينتقي الجبابرة من الكفار في حديث طويل مختلف الألفاظ، و «جهنم» هنا: هي النار بجملتها، وروي أنه لما نزلت وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ تغير لون النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله تعالى: يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ معناه: يتذكر عصيانه وطغيانه، وينظر ما فاته من العمل الصالح. ثم قال تعالى: وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى ثم ذكر عنه أنه يقول: يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي، واختلف في معنى قوله: لِحَياتِي فقال جمهور المتأولين معناه: لِحَياتِي الباقية يريد في الآخرة، وقال قوم من المتأولين: المعنى لِحَياتِي في قبري عند بعثي الذي كنت أكذب به وأعتقد أني لن أعود حيا. وقال آخرون: لِحَياتِي هنا مجاز، أي لَيْتَنِي قَدَّمْتُ عملا صالحا لأنعم به اليوم وأحيا حياة طيبة، فهذا كما يقول الإنسان أحييتني في هذا الأمر، وقال بعض المتأولين لوقت أو لمدة حياتي الماضية في الدنيا، وهذا كما تقول جئت لطلوع الشمس ولتاريخ كذا ونحوه. وقرأ جمهور القراء وعلي بن أبي طالب وابن عباس وأبو عبد الرحمن: «يعذّب» و «يوثق» بكسر الذال الثاء، وعلى هذه القراءة، فالضمير عائد في عذابه ووثاقه لله تعالى، والمصدر مضاف إلى الفاعل ولذلك معنيان: أحدهما أن الله تعالى لا يكل عذاب الكفار يومئذ إلى أحد، والآخر أن عذابه من الشدة في حيز لم يعذب قط أحد بمثله، ويحتمل أن يكون الضمير للكافر والمصدر مضاف إلى المفعول، وقرأ الكسائي وابن سيرين وابن أبي إسحاق وسوار القاضي «يعذّب» و «يوثق» بفتح الذال والثاء ورويت كثيرا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالضميران على هذا للكافر الذي هو بمنزلة جنسه كله والمصدر مضاف إلى المفعول ووضع عذاب موضع تعذيب كما قال [القرطبي] :

[الوافر] وبعض عطائك المائة الرتاعا ويحتمل أن يكون الضميران في هذه القراءة لله تعالى، كأنه قال: لا يعذب أحد قط في الدنيا عذاب الله للكفار، فالمصدر مضاف إلى الفاعل، وفي هذا التأويل تحامل، وقرأ الخليل بن أحمد «وثاقه» بكسر الواو. ولما فرغ ذكر هؤلاء المعذبين عقب تعالى بذكر نفوس المؤمنين وحالهم فقال: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ الآية، والْمُطْمَئِنَّةُ معناه: الموقنة غاية اليقين، ألا ترى أن إبراهيم عليه السلام قال: وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة: ٢٦٠] ، فهي درجة زائدة على الإيمان، وهي أن لا يبقى على النفس في يقينها مطلب يحركها إلى تحصيله، واختلف الناس في هذا النداء متى يقع فقال ابن زيد وغيره: هو عند خروج نفس المؤمن من جسده في الدنيا. وروي أن أبا بكر الصديق سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: «إن الملك سيقولها لك يا أبا بكر عند موتك» ، ومعنى ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ على هذا التأويل، ارْجِعِي بالموت، وقال: وقوله فِي عِبادِي أي في أعداد عبادي الصالحين، وهذه قراءة الجمهور

<<  <  ج: ص:  >  >>