للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقال في الخاص: سغب الرجل إذا جاع. وقوله تعالى: ذا مَقْرَبَةٍ معناه: ذا مقربة لتجتمع الصدقة والصلة، وهذا نحو ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزينب امرأة عبد الله بن مسعود: «تصدقي على زوجك فهي صدقة لك وصلة» ، وأَوْ في قوله أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ فيها معنى الإباحة ومعنى التخيير، لأن الكلام يتضمن معنى الحض والأمر فيها أيضا معنى التفضيل المجرد، لأن الكلام يجري مجرى الخبر الذي لا تكون أَوْ فيه إلا منفصلة، وأما معنى الشك أو الإبهام فلا مدخل لها في هذه الآية، والإبهام نحو قوله تعالى: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ [سبأ: ٢٤] ، وقول أبي الأسود: [الوافر]

أحب محمدا حبا شديدا ... وعباسا وحمزة أو عليا

وذا مَتْرَبَةٍ معناه: مذقعا قد لصق بالتراب وهذا مما ينحو إلى أن المسكين أشد فاقة من الفقير، قال سفيان: هم المطروحون على ظهر الطريق قعودا على التراب لا بيوت لهم. وقال ابن عباس هو الذي يخرج من بيته ثم يقلب وجهه إلى بيته مستيقنا أنه ليس فيه إلا التراب، وقوله تعالى: ثُمَّ كانَ معطوف على قوله اقْتَحَمَ وتوجه فيه معاني، فَلَا اقْتَحَمَ المذكورة من النفي والتحضيض والدعاء، ورجح أبو عمرو بن العلاء قراءته فك بقوله ثُمَّ كانَ، ومعنى قوله ثُمَّ كانَ أي كان وقت اقتحامه العقبة مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وليس المعنى أنه يقتحم، ثم يكون بعد ذلك لأن الاقتحام كان يقع من غير مؤمن وذلك غير نافع.

وقوله تعالى: وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ معناه: على طاعة الله وبلائه وقضائه وعن الشهوات والمعاصي.

وبِالْمَرْحَمَةِ، قال ابن عباس: كل ما يؤدي إلى رحمة الله تعالى. وقال آخرون: هو التراحم وعطف بعض من الناس على بعض، وفي ذلك قوام الناس ولو لم يتراحموا جملة هلكوا، والْمَيْمَنَةِ مفعلة، وهي فيما روي عن يمين العرش، وهو موضع الجنة ومكان المرحومين من الناس، والْمَشْأَمَةِ الجانب الأشأم وهو الأيسر، وفيه جهنم، وهو طريق المعذبين يؤخذ بهم ذات الشمال، وهذا مأخوذ من اليمن والشام للواقف بباب الكعبة متوجها إلى مطلع الشمس، واليد الشؤمى هي اليسرى، وذهب الزجاج وقوم إلى ذلك من اليمن والشؤم، وقرأ ابن كثير وابن عامر ونافع والكسائي وأبو بكر عن عاصم «موصدة» على وزن موعدة وكذلك في سورة الهمزة، وقرأ أبو عمرو وحمزة وحفص عن عاصم «مؤصدة» بهمز الواو في السورتين، ومعناهما جميعا، مطبقة معلقة. يقال: أوصدت وآصدت، بمعنى أطبقت وأغلقت، فهي «موصدة» دون همز من أوصدت، وقد يحتمل أن يهمز من يراها من أوصدت من حيث قبل الواو حرف مضموم على لغة من قرأ بالسوق، ومنه قول الشاعر [جرير] :

أحب المؤقدان إليّ مؤسى بالهمز فيهما، و «مؤصدة» من آصدت، ويحتمل أن تسهل الهمزة فتجيء «موصدة» من أصدت ومن اللفظة الوصيد. وقال الشاعر [الأعشى] : [الكامل]

قوما يعالج قملا أبناؤهم ... وسلاسلا حلقا وبابا موصدا

<<  <  ج: ص:  >  >>