للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموريات قَدْحاً: هي الألسن، فهذا على الاستعارة أي ببيانها تقدح الحجج وتظهرها. وقال مجاهد:

الموريات قَدْحاً، يريد به مكر الرجال، وقال قتادة: «الموريات» ، الخيل تشعل الحرب، فهذا أيضا على الاستعارة البينة، وقال ابن عباس أيضا وجماعة من العلماء: الكلام عام يدخل في القسم كل من يظهر بقدحه نارا، وذلك شائع في الأمم طول الدهر وهو نفع عظيم من الله تعالى، وقد وقف عليه في قوله تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ [الواقعة: ٧١] معناه: تظهرون بالقدح، قال عدي بن زيد:

[الخفيف]

فقدحنا زنادا وورينا ... فوق جرثومة من الأرض نار

وقوله تعالى: فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً قال علي وابن مسعود: هي الإبل من مزدلفة إلى منى أو في بدر، والعرب تقول: أغار إذا عدا جريا ونحوه، وقال ابن عباس وجماعة كثيرة: هي الخيل واللفظة من الغارة في سبيل الله وغير ذلك من سير الأمم، وعرف الغارات أنها مع الصباح لأنها تسري ليلة الغارة والنقع: الغبار الساطع المثار، وقرأ أبو حيوة: «فأثّرن» بشد الثاء، والضمير في: بِهِ ظاهر أنه للصبح المذكور، ويحتمل أن يكون للمكان والموضع الذي يقتضيه المعنى وإن كان لم يجر له ذكر، ولهذا أمثلة كثيرة، ومشهورة إثارة النقع هو للخيل ومنه قول الشاعر [البسيط]

يخرجن من مستطير النقع دامية ... كأن آذانها أطراف أقلام

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: هو هنا الإبل تثير النقع بأخفافها، وقوله تعالى: فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً قال ابن عباس وعلي: هي الإبل، وجَمْعاً: هي المزدلفة، وقال ابن عباس: هي الخيل، والمراد جمع من الناس هم المغيرون، وقرأ علي بن أبي طالب وقتادة وابن أبي ليلى: «فوسّطن» بشد السين. وقال بشر بن أبي حازم: [الكامل]

فوسطن جمعهم وأفلت حاجب ... تحت العجاجة في الغبار الأقتم

وذكر الطبري عن زيد بن أسلم: أنه كان يكره تفسير هذه الألفاظ، ويقول: هو قسم أقسم الله به، وجمهور الأمة وعلماؤها مفسرون لها كما ذكرنا، والقسم واقع على قوله: إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أتدرون ما الكنود؟ قالوا لا يا رسول الله، قال: هو الكفور الذي يأكل وحده ويمنع رفده، ويضرب عبده» . وقد يكون من المؤمنين الكفور بالنعمة، فتقدير الآية: إن الإنسان لنعمة ربه لكنود، وأرض كنود لا تنبت شيئا، وقال الحسن بن أبي الحسن: الكنود اللائم لربه الذي يعد السيئات وينسى الحسنات، والكنود العاصي بلغة كندة، ويقال للخيل كنود، وقال أبو زبيد: [الخفيف]

إن تفتني فلم أطب بك نفسا ... غير أني أمنى بدهر كنود

وقال الفضيل: الكنود الذي تنسيه سيئة واحدة حسنات كثيرة ويعامل الله على عقد عوض، وقوله تعالى: وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ يحتمل الضمير أن يعود على الله تعالى، وقاله قتادة: أي وربه شاهد عليه، وتفسير هذا الخبر يقتضي الشهادة بذلك، ويحتمل أن يعود على «الإنسان» أي أفعاله وأقواله وحاله

<<  <  ج: ص:  >  >>