للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جريج وغيره: هي ندب، والزكاة غير هذا الإنفاق، فعلى هذا لا نسخ فيها، واليتم فقد الأب قبل البلوغ، وتقدم القول في المسكين وابْنِ السَّبِيلِ، وما تَفْعَلُوا جزم بالشرط، والجواب في الفاء، وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «يفعلوا» بالياء على ذكر الغائب، وظاهر الآية الخبر، وهي تتضمن الوعد بالمجازاة، وكُتِبَ معناه فرض، وقد تقدم مثله، وهذا هو فرض الجهاد، وقرأ قوم «كتب عليكم القتل» .

وقال عطاء بن أبي رباح: «فرض القتال على أعيان أصحاب محمد، فلما استقر الشرع وقيم به صار على الكفاية» ، وقال جمهور الأمة: أول فرضه إنما كان على الكفاية دون تعيين.

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: واستمر الإجماع على أن الجهاد على أمة محمد فرض كفاية، فإذا قام به من قام من المسلمين سقط عن الباقين، إلا أن ينزل العدو بساحة للإسلام، فهو حينئذ فرض عين، وذكر المهدوي وغيره عن الثوري أنه قال: الجهاد تطوع. وهذه العبارة عندي إنما هي على سؤال سائل وقد قيم بالجهاد. فقيل له: ذلك تطوع وال كُرْهٌ بضم الكاف الاسم، وفتحها المصدر.

وقال قوم «الكره» بفتح الكاف ما أكره المرء عليه، و «الكره» ما كرهه هو.

وقال قوم: هما بمعنى واحد.

وقوله تعالى وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً الآية، قال قوم عَسى من الله واجبة، والمعنى عسى أن تكرهوا ما في الجهاد من المشقة وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ في أنكم تغلبون وتظهرون وتغنمون وتؤجرون، ومن مات مات شهيدا، وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا الدعة وترك القتال وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ في أنكم تغلبون وتذلون ويذهب أمركم، وفي قوله تعالى وَاللَّهُ يَعْلَمُ الآية قوة أمر.

وقوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ الآية، نزل في قصة عمرو بن الحضرمي، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية عليها عبد الله بن جحش الأسدي مقدمه من بدر الأولى، فلقوا عمرو بن الحضرمي ومعه عثمان بن عبد الله بن المغيرة وأخوه نوفل المخزوميان والحكم بن كيسان في آخر يوم من رجب على ما ذكر ابن إسحاق، وفي آخر يوم من جمادى الآخرة على ما ذكره الطبري عن السدي وغيره. والأول أشهر، على أن ابن عباس قد ورد عنه أن ذاك كان في أول ليلة من رجب والمسلمون يظنونها من جمادى، وأن القتل في الشهر الحرام لم يقصدوه، وأما على قول ابن إسحاق فإنهم قالوا إن تركناهم اليوم دخلوا الحرم فأزمعوا قتالهم، فرمى واقد بن عبد الله عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، وأسر عثمان بن عبد الله والحكم، وفر نوفل فأعجزهم، واستسهل المسلمون هذا في الشهر الحرام خوف فوتهم، فقالت قريش: محمد قد استحل الأشهر الحرم، وعيروا بذلك، وتوقف النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ما أمرتكم بقتال في الأشهر الحرم، فنزلت هذه الآية.

وذكر المهدوي أن سبب هذه الآية أن عمرو بن أمية الضمري قتل رجلين من بني كلاب في رجب فنزلت، وهذا تخليط من المهدوي. وصاحبا عمرو كان عندهما عهد من النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عمرو قد أفلت من قصة بئر معونة، وذكر الصاحب بن عباد في رسالته المعروفة بالأسدية أن عبد الله بن

<<  <  ج: ص:  >  >>