للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القاضي أبو محمد: كأنه قال إن لم تنهوا، وقال غير الحسن: معناه علم الله أنكم ستذكرون النساء المعتدات في نفوسكم وبألسنتكم لمن يخف عندكم فنهى عن أن يوصل إلى التواعد معها لما في ذلك من هتك حرمة العدة، وقوله تعالى: وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا ذهب ابن عباس وابن جبير ومالك وأصحابه والشعبي ومجاهد وعكرمة والسدي وجمهور أهل العلم إلى أن المعنى لا توافقوهن بالمواعدة والتوثق وأخذ العهود في استسرار منكم وخفية، ف سِرًّا على هذا التأويل نصب على الحال أي مستسرين. وقال جابر بن زيد وأبو مجلز لاحق بن حميد والحسن بن أبي الحسن والضحاك وإبراهيم النخعي: السر في هذه الآية الزنا أي لا تواعدوهن زنى.

قال القاضي أبو محمد: هكذا جاءت عبارة هؤلاء في تفسير السر وفي ذلك عندي نظر، وذلك أن السر في اللغة يقع على الوطء حلاله وحرامه، لكن معنى الكلام وقرينته ترد إلى أحد الوجهين، فمن الشواهد قول الحطيئة: [الوافر]

ويحرم سرّ جارتهم عليهم ... ويأكل جارهم أنف القصاع

فقرينة هذا البيت تعطي أن السر أراد به الوطء حراما، وإلا فلو تزوجت الجارة كما يحسن لم يكن في ذلك عار، ومن الشواهد قول الآخر: [الطويل]

أخالتنا سرّ النّساء محرّم ... عليّ، وتشهاد النّدامى مع الخمر

لئن لم أصبّح داهنا ولفيفها ... وناعبها يوما براغية البكر

فقرينة هذا الشعر تعطي أنه أراد تحريم جماع النساء عموما في حرام وحلال حتى ينال ثأره، والآية تعطي النهي عن أن يواعد الرجل المعتدة أن يطأها بعد العدة بوجه التزويج، وأما المواعدة في الزنى فمحرم على المسلم مع معتدة وغيرها، وحكى مكي عن ابن جبير أنه قال: «سرا: نكاحا» ، وهذه عبارة مخلصة، وقال ابن زيد: «معنى قوله وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا أي لا تنكحوهن وتكتمون ذلك فإذا حلت أظهر تموه ودخلتم بهن» .

قال القاضي أبو محمد: فابن زيد في معنى السر مع القول الأول أي خفية، وإنما شذ في أن سمى العقد مواعدة، وذلك قلق لأن العقد متى وقع وإن تكتم به فإنما هو في عزم العقدة، وحكى مكي عنه أنه قال: «الآية منسوخة بقوله: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ وأجمعت الأمة على كراهية المواعدة في العدة للمرأة في نفسها، وللأب في ابنته البكر، وللسيد في أمته، قال ابن المواز: «فأما الولي الذي لا يملك الجبر فأكرهه، وإن نزل لم أفسخه» ، وقال مالك رحمه الله فيمن يواعد في العدة ثم يتزوج بعدها: «فراقها أحب إليّ دخل بها أو لم يدخل وتكون تطليقة واحدة، فإذا حلت خطبها مع الخطاب» ، هذه رواية ابن وهب، وروى أشهب عن مالك أنه يفرق بينهما إيجابا، وقاله ابن القاسم، وحكى ابن حارث مثله عن ابن الماجشون، وزاد ما يقتضي أن التحريم يتأبد، وقوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً استثناء منقطع، والقول المعروف هو ما أبيح من التعريض، وقد ذكر الضحاك أن من القول المعروف أن يقول الرجل للمعتدة احبسي عليّ نفسك فإن لي بك رغبة، فتقول هي وأنا مثل ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>