للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

راكب، وهذه الرخصة في ضمنها بإجماع من العلماء أن يكون الإنسان حيث ما توجه من السموات، ويتصرف بحسب نظره في نجاة نفسه. واختلف الناس كم يصلي من الركعات. فمالك رحمه الله وجماعة من العلماء لا يرون أن ينقص من عدد الركعات شيئا، بل يصلي المسافر ركعتين ولا بد. وقال الحسن بن أبي الحسن وقتادة وغيرهما: يصلي ركعة إيماء. وروى مجاهد عن ابن عباس أنه قال: «فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة» . وقال الضحاك بن مزاحم:

«يصلي صاحب خوف الموت في المسايفة وغيرها ركعة، فإن لم يقدر فليكبر تكبيرتين» ، وقال إسحاق بن راهويه: «فإن لم يقدر إلا على تكبيرة واحدة أجزأت عنه» ، ذكره ابن المنذر.

واختلف المتأولون في قوله تعالى: فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ الآية، فقالت فرقة: المعنى فإذا زال خوفكم الذي ألجأكم إلى هذه الصلاة فاذكروا الله بالشكر على هذه النعمة في تعليمكم هذه الصلاة التي وقع بها الإجزاء ولم تفتكم صلاة من الصلوات، وهذا هو الذي لم يكونوا يعلمونه، وقالت فرقة: المعنى فإذا كنتم آمنين قبل أو بعد، كأنه قال: فمتى كنتم على أمن فاذكروا الله، أي صلوا الصلاة التي قد علمتموها، أي فصلوا كما علمكم صلاة تامة، حكاه النقاش وغيره.

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وقوله على هذا التأويل ما لَمْ تَكُونُوا بدل من «ما» التي في قوله كَما، وإلا لم يتسق لفظ الآية، وعلى التأويل الأول ما مفعولة ب عَلَّمَكُمْ، وقال مجاهد: «معنى قوله فَإِذا أَمِنْتُمْ، فإذا خرجتم من دار السفر إلى دار الإقامة» ، ورد الطبري على هذا القول، وكذلك فيه تحويم على المعنى كثير، والكاف في قوله كَما للتشبيه بين ذكر الإنسان لله ونعمة الله عليه في أن تعادلا، وكان الذكر شبيها بالنعمة في القدر وكفاء لها، ومن تأول «اذكروا» بمعنى صلوا على ما ذكرناه فالكاف للتشبيه بين صلاة العبد والهيئة التي علمه الله.

قوله عز وجل:

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٤٠]]

وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٤٠)

الَّذِينَ رفع بالابتداء، والخبر في الجملة التي هي «وصية لأزواجهم» ، وقرأ ابن كثير ونافع والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر «وصية» بالرفع، وذلك على وجهين: أحدهما الابتداء والخبر في الظرف الذي هو قوله لِأَزْواجِهِمْ، ويحسن الابتداء بنكرة من حيث هو موضع تخصيص كما حسن أن يرتفع «سلام عليكم» ، وخير بين يديك، وأمت في حجر لا فيك، لأنها مواضع دعاء، والوجه الآخر أن تضمر له خبرا تقدره، فعليهم وصية لأزواجهم، ويكون قوله لِأَزْواجِهِمْ صفة. قال الطبري: «قال بعض النحاة: المعنى كتبت عليهم وصية» ، قال: «وكذلك هي في قراءة عبد الله بن مسعود» ، وقرأ أبو عمرو وحمزة وابن عامر «وصية» بالنصب، وذلك حمل على الفعل كأنه قال: ليوصوا وصية، ولِأَزْواجِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>