للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أجله وهو مردود بما بيناه، ومَرْضاتِ مصدر من رضي يرضى، وقال الشعبي والسدي وقتادة وابن زيد وأبو صالح: وَتَثْبِيتاً معناه وتيقنا، أي إن نفوسهم لها بصائر متأكدة فهي تثبتهم على الإنفاق في طاعة الله تثبيتا، وقال مجاهد والحسن: معنى قوله: وَتَثْبِيتاً أي إنهم يتثبتون أين يضعون صدقاتهم؟ وقال الحسن كأن الرجل إذا هم بصدقة تثبت، فإن كان ذلك لله أمضاه وإن خالطه شك أمسك، والقول الأول أصوب.

لأن هذا المعنى الذي ذهب إليه مجاهد والحسن إنما عبارته وتثبتا، فإن قال محتج إن هذا من المصادر التي خرجت على غير المصدر كقوله تعالى: وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا [المزمل: ٨] ، وكقوله: أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً [نوح: ١٧] فالجواب لا يسوغ إلا مع ذكر المصدر والإفصاح بالفعل المتقدم للمصدر، وأما إذا لم يقع إفصاح بفعل فليس لك أن تأتي بمصدر في غير معناه ثم تقول أحمله على فعل كذا وكذا لفعل لم يتقدم له ذكر، هذا مهيع كلام العرب فيما علمت، وقال قتادة: وَتَثْبِيتاً معناه وإحسانا من أنفسهم.

قال القاضي أبو محمد: وهذا نحو القول الأول، والجنة البستان وهي قطعة أرض نبتت فيها الأشجار حتى سترت الأرض، فهي من لفظ الجن والجنن والجنة وجن الليل، والربوة ما ارتفع من الأرض ارتفاعا يسيرا معه في الأغلب كثافة التراب وطيبه وتعمقه، وما كان كذلك فنباته أحسن، ورياض الحزن ليس من هذا كما زعم الطبري، بل تلك هي الرياض المنسوبة إلى نجد لأنها خير من رياض تهامة ونبات نجد أعطر ونسيمه أبرد وأرق، ونجد يقال له الحزن، وقل ما يصلح هواء تهامة إلا بالليل، ولذلك قالت الأعرابية:

زوجي كليل تهامة، وقال ابن عباس: الربوة المكان المرتفع الذي لا تجري فيه الأنهار.

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وهذا إنما أراد به هذه الربوة المذكورة في كتاب الله، لأن قوله تعالى: أَصابَها وابِلٌ إلى آخر الآية يدل على أنها ليس فيها ماء جار، ولم يرد ابن عباس أن جنس الربا لا يجري فيها ماء، لأن الله تعالى قد ذكر ربوة ذات قرار ومعين، والمعروف في كلام العرب أن الربوة ما ارتفع عما جاوره سواء جرى فيها ماء أو لم يجر، وقال الحسن: الربوة الأرض المستوية التي لا تعلو فوق الماء، وهذا أيضا أراد أنها ليست كالجبل والضرب ونحوه، وقال الخليل أرض مرتفعة طيبة وخص الله بالذكر التي لا يجري فيها ماء من حيث هي العرف في بلاد العرب فمثل لهم بما يحسونه كثيرا، وقال السدي بِرَبْوَةٍ أي برباوة وهو ما انخفض من الأرض، قال أبو محمد: وهذه عبارة قلقة ولفظ الربوة هو مأخوذ من ربا يربو إذا زاد، يقال «ربوة» بضم الراء وبها قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي ونافع وأبو عمرو.

ويقال «ربوة» بفتح الراء وبها قرأ عاصم وابن عامر، وكذلك خلافهم في سورة المؤمنين، ويقال ربوة بكسر الراء وبها قرأ ابن عباس فيما حكي عنه. ويقال رباوة بفتح الراء والباء وألف بعدها، وبها قرأ أبو جعفر وأبو عبد الرحمن، ويقال رباوة بكسر الراء وبها قرأ الأشهب العقيلي، وَآتَتْ معناه أعطت، و «الأكل» بضم الهمزة وسكون الكاف الثمر الذي يؤكل، والشيء المأكول من كل شيء يقال له أكل، وإضافته إلى الجنة إضافة اختصاص كسرج الدابة وباب الدار، وإلا فليس الثمر مما تأكله الجنة، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو «أكلها» بضم الهمزة وسكون الكاف، وكذلك كل مضاف إلى مؤنث وفارقهما أبو عمرو فيما أضيف إلى مذكر مثل أكله أو كان غير مضاف إلى مكنى مثل أكل خمط فثقل أبو عمرو ذلك، وخففاه، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي في جميع ما ذكرناه بالتثقيل. ويقال أكل

<<  <  ج: ص:  >  >>