للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قول من قرأ «وكتابه» فليس كما تفرد المصادر وإن أريد بها الكثير، كقوله تعالى: وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً [الفرقان: ١٤] ونحو ذلك، ولكن كما تفرد الأسماء التي يراد بها الكثرة، كقولهم: كثر الدينار والدرهم ونحو ذلك، فإن قلت هذه الأسماء التي يراد بها الكثرة إنما تجيء مفردة وهذه مضافة، قيل وقد جاء في المضاف ما يعني به الكثرة ففي التنزيل وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها [إبراهيم: ٣٤] وفي الحديث منعت العراق درهمها وقفيزها، فهذا يراد به الكثير كما يراد بما فيه لام التعريف، ومنه قول ابن الرقاع:

يدع الحيّ بالعشيّ رعاها ... وهم عن رغيفهم أغنياء

ومجيء أسماء الأجناس معرفة بالألف واللام أكثر من مجيئها مضافة، وقرأت الجماعة «ورسله» بضم السين، وكذلك «رسلنا» و «رسلكم» و «رسلك» إلا أبا عمرو فروي عنه تخفيف «رسلنا» و «رسلكم» ، وروي عنه في «رسلك» التثقيل والتخفيف، قال أبو علي من قرأ «على رسلك» بالتثقيل فذلك أصل الكلمة، ومن خفف فكما يخفف في الآحاد مثل عنق وطنب، فإذا خفف في الآحاد فذلك أحرى في الجمع الذي هو أثقل، وقرأ يحيى بن يعمر «وكتبه ورسله» بسكون التاء والسين، وقرأ ابن مسعود «وكتابه ولقائه ورسله» ، وقرأ جمهور الناس «لا نفرق» بالنون، والمعنى يقولون لا نفرق، وقرأ سعيد بن جبير ويحيى بن يعمر وأبو زرعة بن عمر بن جرير ويعقوب «لا يفرق» بالياء، وهذا على لفظ كُلٌّ، قال هارون وهي في حرف ابن مسعود «لا يفرقون» ، ومعنى هذه الآية أن المؤمنين ليسوا كاليهود والنصارى في أنهم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض.

وقوله تعالى: وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا مدح يقتضي الحض على هذه المقالة وأن يكون المؤمن يمتثلها غابر الدهر، والطاعة قبول الأوامر، وغُفْرانَكَ مصدر كالكفران والخسران، ونصبه على جهة نصب المصادر، والعامل فيه فعل مقدر، قال الزجّاج تقديره اغفر غفرانك، وقال غيره نطلب ونسأل غفرانك، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ إقرار بالبعث والوقوف بين يدي الله تعالى.

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية قال له جبريل يا محمد إن الله قد أجل الثناء عليك وعلى أمتك، فسل تعطه، فسأل إلى آخر السورة.

قوله عز وجل:

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٨٦]]

لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢٨٦)

قوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها خبر جزم نص على أنه لا يكلف العباد من وقت نزول الآية عبادة من أعمال القلوب والجوارح إلا وهي في وسع المكلف، وفي مقتضى إدراكه وبنيته، وبهذا انكشفت الكربة عن المسلمين في تأولهم أمر الخواطر، وتأول من ينكر جواز تكليف ما لا يطاق هذه الآية بمعنى أنه لا يكلف ولا كلف وليس ذلك بنص في الآية ولا أيضا يدفعه اللفظ، ولذلك ساغ الخلاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>