للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نأمن على أنفسنا في المذهب، وكما قال عدي بن حاتم حين أخبره النبي عليه السلام بالأمنة التي تأتي، فقلت في نفسي: وأين دعار طيىء الذين سعروا البلاد؟ الحديث بكماله، فنزلت الآية مقوية لنفوس المؤمنين ومبينة صحة ما أخبر به بالمثال الواقع، فمن قرأ «ترونهم» بالتاء من فوق فهي مخاطبة لجميع المؤمنين إذ قد رأى ذلك جمهور منهم، والهاء والميم في «ترونهم» تجمع المشركين، وفي «مثلهم» تجمع المؤمنين، ومن قرأ بالياء من تحت فالمعنى يرى الجمع من المؤمنين جمع الكفار مثلي جمع المؤمنين، ومن رأى أن الخطاب لجميع الكفار ومن رأى أنه لليهود فالآية عنده داخلة فيما أمر محمد عليه السلام أن يقوله لهم احتجاجا عليهم، وتبيينا لصورة الوعيد المتقدم في أنهم سيغلبون، فمن قرأ بالياء من تحت، فالمعنى يرى الجمع من المؤمنين جمع الكفار مثلي جمع المؤمنين، ومن قرأ بالتاء فالمعنى لو حضرتم أو إن كنتم حضرتم وساغت العبارة لوضوح الأمر في نفسه ووقوع اليقين به لكل إنسان في ذلك العصر، ومن قرأ بضم التاء أو الياء فكأن المعنى، أن اعتقاد التضعيف في جميع الكفار إنما كان تخمينا وظنا لا يقينا، فلذلك ترك في العبارة من الشك وذلك أن أرى بضم الهمزة تقولها فيما بقي عندك فيه نظر وأرى- بفتح الهمزة تقولها فيما قد صح نظرك فيه، ونحا هذا المنحى أبو الفتح وهو صحيح، قال أبو علي: والرؤية في هذه الآية عين، ولذلك تعدت إلى مفعول واحد، ومِثْلَيْهِمْ نصب على الحال من الهاء والميم في تَرَوْنَهُمْ وأجمع الناس على الفاعل ب تَرَوْنَهُمْ المؤمنون والضمير المتصل هو للكفار، إلا ما حكى الطبري عن قوم أنهم قالوا: بل كثر الله عدد المؤمنين في عيون الكفار حتى كانوا عندهم ضعفيهم، وضعف الطبري هذا القول، وكذلك هو مردود من جهات، بل قلل الله كل طائفة في عين الأخرى، ليقضي الله أمرا كان مفعولا، فقلل الكفار في عيون المؤمنين ليقع التجاسر ويحتقر العدو، وهذا مع اعتقاد النبي وقوله، واعتقاد أولي الفهم من أصحابه أنهم من التسعمائة إلى الألف، لكن أذهب الله عنهم البهاء وانتشار العساكر وفخامة الترتيب، حتى قال ابن مسعود في بعض ما روي عنه: لقد قلت لرجل إلى جنبي أتراهم سبعين؟ فقال:

أظنهم مائة، فلما أخذنا الأسرى أخبرونا أنهم كانوا ألفا، وقلل الله المؤمنين في عيون الكفار ليغتروا ولا يحزموا، وتظاهرت الروايات أن جمع الكفار ببدر كان نحو الألف فوق التسعمائة وأن جمع المؤمنين كان ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا وقيل وثلاثة عشر فكان الكفار ثلاثة من المؤمنين، لكن رجع بنو زهرة مع الأخنس بن شريق، ورجع طالب بن أبي طالب وأتباع وناس كثير حتى بقي للقتال من يقرب من المثلين، وقد ذكر النقاش نحوا من هذا فذكر الله تعالى المثلين، إذ أمرهما متيقن لم يدفعه قط أحد، وقد حكى الطبري عن ابن عباس: أن المشركين في قتال بدر كانوا ستمائة وستة وعشرين رجلا، وقد ذهب الزجاج وبعض المفسرين، أنهم كانوا نحو الألف وأراهم الله للمؤمنين مثليهم فقط، قال: فهذا التقليل في الآية الأخرى، ثم نصرهم عليهم مع علمهم بأنهم مثلاهم في العدد، لأنه كان أعلم المسلمين أن المائة منهم تغلب المائتين من الكفار، وروى علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي عليه السلام أنه قال يوم بدر:

القوم ألف، وقوله تعالى: لَكُمْ آيَةٌ يريد علامة وأمارة ومعتبرا، والفئة: الجماعة من الناس سميت بذلك لأنها يفاء إليها، أي يرجع في وقت الشدة، وقال الزجاج: الفئة الفرقة، مأخوذة من فأوت رأسه بالسيف، ويقال: فأيته إذا فلقته، ولا خلاف أن الإشارة بهاتين الفئتين هي إلى يوم بدر، وقرأ جمهور الناس

<<  <  ج: ص:  >  >>