للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله وَجْهِيَ يحتمل أن يراد به المقصد كما تقول خرج فلان في وجه كذا فيكون معنى الآية: جعلت مقصدي لله، ويحتمل أن يكون معنى الآية، أسلمت شخصي وذاتي وكليتي وجعلت ذلك لله، وعبر بالوجه إذ الوجه أشرف أعضاء الشخص وأجمعها للحواس، وقد قال حذاق المتكلمين في قوله تعالى: وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ [الرحمن: ٢٧] أنها عبارة عن الذات، وأَسْلَمْتُ في هذا الموضع بمعنى دفعت وأمضيت وليست بمعنى دخلت في السلم لأن تلك لا تتعدى، وقوله تعالى: وَمَنِ اتَّبَعَنِ في موضع رفع عطف على الضمير في موضع خفض عطفا على اسم الله تعالى كأنه يقول: جعلت مقصدي لله بالإيمان به والطاعة له، ولمن اتبعن بالحفظ له والتحفي بتعليمه وصحبته لك في اتَّبَعَنِ حذف الياء وإثباتها وحذفها أحسن اتباعا لخط المصحف، وهذه النون إنما هي لتسلم فتحة لام الفعل فهي مع الكسرة تغني عن الياء لا سيما إذا كانت رأس آية، فإنها تشبه قوافي الشعر كما قال الأعشى: [المتقارب]

وهل يمنعنّ ارتياد البلا ... د من حذر الموت أن يأتين

فمن ذلك قوله تعالى: رَبِّي أَكْرَمَنِ [الفجر: ١٥] فإذا لم تكن نون فإثبات الياء أحسن، لكنهم قد قالوا: هذا غلام قد جاء فاكتفوا بالكسرة دلالة على الياء، والذين أُوتُوا الْكِتابَ في هذا الموضع يجمع اليهود والنصارى باتفاق، والأميون هم الذين لا يكتبون وهم العرب في هذه الآية، وهذه النسبة هي إلى الأم أو إلى الأمة أي كما هي الأم، أو على حال خروج الإنسان عن الأم أو على حال الأمة الساذجة قبل التعلم والتحذق، وقوله: أَأَسْلَمْتُمْ تقرير في ضمنه الأمر كذا قال الطبري وغيره، وذلك بين، وقال الزجاج أَأَسْلَمْتُمْ تهديد، وهذا حسن، لأن المعنى أأسلمتم أم لا؟ وقوله تعالى: فَقَدِ اهْتَدَوْا وجاءت العبارة بالماضي مبالغة في الإخبار بوقوع الهدى لهم وتحصله.

وقوله تعالى: فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ ذكر بعض الناس أنها آية موادعة وأنها مما نسخته آية السيف.

قال أبو محمد: وهذا يحتاج أن يقترن به معرفة تاريخ نزولها، وأما على ظاهر نزول هذه الآية في وقت وفد نجران فإنما المعنى فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ بما فيه قتال وغيره، والْبَلاغُ مصدر بلغ بتخفيف عين الفعل، وفي قوله تعالى: وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ وعد للمؤمنين ووعيد للكافرين.

قوله تعالى:

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٢١ الى ٢٢]

إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢١) أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٢)

قال محمد بن جعفر بن الزبير وغيره: إن هذه الآية في اليهود والنصارى.

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وتعم كل من كان بهذه الحال، والآية توبيخ

<<  <  ج: ص:  >  >>