للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحسن وابن جريج: إن قوما قالوا للنبي عليه السلام: يا محمد إنا نحب ربنا، فنزلت هذه الآية في قولهم، جعل الله فيها أتباع محمد علما لحبه، وقال محمد بن جعفر بن الزبير: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول هذا القول لنصارى نجران، أي إن كان قولكم في عيسى وغلوكم في أمره حبا لله، فَاتَّبِعُونِي ويحتمل أن تكون الآية عامة لأهل الكتاب اليهود والنصارى لأنهم كانوا يدعون أنهم يحبون الله ويحبهم، ألا ترى أن جميعهم قالوا نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة: ١٨] ولفظ أحباؤه إنما يعطي أن الله يحبهم لكن يعلم أن مرادهم «ومحبوه» فيحسن أن يقال لهم قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ وقرأ الزهري «فاتبعوني» بتشديد النون، وقرأ أبو رجاء «يحببكم» بفتح الياء وضم الباء الأولى من «حب» وهي لغة، قال الزجاج: حببت قليلة في اللغة، وزعم الكسائي أنها لغة قد ماتت وعليها استعمل محبوب والمحبة إرادة يقترن بها إقبال من النفس وميل بالمعتقد، وقد تكون الإرادة المجردة فيما يكره المريد والله تعالى يريد وقوع الكفر ولا يحبه، ومحبة العبد لله تعالى يلزم عنها ولا بد أن يطيعه وتكون أعماله بحسب إقبال النفس، وقد تمثل بعض العلماء حين رأى الكعبة فأنشد: [الخفيف]

هذه داره وأنت محبّ ... ما بقاء الدّموع في الآماق

ومحبة الله للعبد أمارتها للمتأمل أن يرى العبد مهديا مسددا ذا قبول في الأرض، فلطف الله بالعبد ورحمته إياه هي ثمرة محبته، وبهذا النظر يتفسر لفظ المحبة حيث وقعت من كتاب الله عز وجل، وذكر الزجاج: أن أبا عمرو قرأ «يغفر لكم» بإدغام الراء في اللام وخطأ القراء وغلط من رواها عن أبي عمرو فيما حسبت، وذهب الطبري إلى أن قوله: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ خطاب لنصارى نجران وفي قوله:

فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ وعيد، ويحتمل أن يكون بعد الصدع بالقتال.

قوله تعالى:

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٣٣ الى ٣٥]

إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٣٤) إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥)

لما مضى صدر من محاجة نصارى نجران والرد عليهم وبيان فساد ما هم عليه جاءت هذه الآية معلمة بصورة الأمر الذي قد ضلوا فيه، ومنبئة عن حقيقته كيف كانت، فبدأ تعالى بذكر فضله على هذه الجملة إلى آلَ عِمْرانَ منها ثم خص امْرَأَتُ عِمْرانَ بالذكر لأن القصد وصف قصة القوم إلى أن يبين أمر عيسى عليه السلام وكيف كان واصْطَفى معناه: اختار صفو الناس فكان ذلك هؤلاء المذكورين وبقي الكفار كدرا، وآدَمَ هو أبونا عليه السلام اصطفاه الله تعالى بالإيجاد والرسالة إلى بنيه والنبوة والتكليم حسبما ورد في الحديث وحكى الزجاج عن قوم إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ عليه السلام بالرسالة إلى الملائكة في قوله:

أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ [البقرة: ٣٣] وهذا ضعيف، ونوح عليه السلام هو أبونا الأصغر في قول الجمهور هو أول نبي بعث إلى الكفار، وانصرف نوح مع عجمته وتعريفه لخفة الاسم، كهود ولوط، وآلَ إِبْراهِيمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>