للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السمال: «كلمة» بفتح الكاف وسكون اللام، وروي عنه أنه قرأ «كلمة» بكسر الكاف وسكون اللام، وذلك على إلقاء حركة اللام على الكاف كما قالوا في كبد، كبد بكسر الكاف وسكون الباء، و «الكلمة» هنا عبارة عن الألفاظ التي تتضمن المعاني المدعو إليها، وهي ما فسره بعد ذلك بقوله أَلَّا نَعْبُدَ الآية وهذا كما تسمي العرب القصيدة كلمة، وجمهور المفسرين على أن الكلمة هي ما فسر بعد، وقال أبو العالية:

«الكلمة السواء» ، لا إله إلا الله.

قال الفقيه الإمام: وقوله: سَواءٍ نعت للكلمة، قال قتادة والربيع وغيرهما: معناه إلى كلمة عدل، فهذا معنى «السواء» ، وفي مصحف عبد الله بن مسعود: «إلى كلمة عدل بيننا وبينكم» ، كما فسر قتادة والربيع، وقال بعض المفسرين: معناه إلى كلمة قصد.

قال الفقيه الإمام أبو محمد: وهذا قريب في المعنى من الأول، والسواء والعدل والقصد مصادر وصف بها في هذه التقديرات كلها، والذي أقوله في لفظة سَواءٍ انها ينبغي أن تفسر بتفسير خاص بها في هذا الموضع وهو أنه دعاهم إلى معان جميع الناس فيها مستوون، صغيرهم وكبيرهم، وقد كانت سيرة المدعوين أن يتخذ بعضهم بعضا أربابا فلم يكونوا على استواء حال فدعاهم بهذه الآية إلى ما تألفه النفوس من حق لا يتفاضل الناس فيه، ف سَواءٍ على هذا التأويل بمنزلة قولك لآخر: هذا شريكي في مال سواء بيني وبينه. والفرق بين هذا التفسير وبين تفسير اللفظة بعدل، أنك لو دعوت أسيرا عندك إلى أن يسلم أو تضرب عنقه، لكنت قد دعوته إلى السواء الذي هو العدل، وعلى هذا الحد جاءت لفظة سَواءٍ في قوله تعالى:

فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ [الأنفال: ٥٨] على بعض التأويلات، ولو دعوت أسيرك إلى أن يؤمن فيكون حرا مقاسما لك في عيشك، لكنت قد دعوته إلى السواء، الذي هو استواء الحال على ما فسرته، واللفظة على كل تأويل فيها معنى العدل، ولكني لم أر لمتقدم أن يكون في اللفظة معنى قصد استواء الحال، وهو عندي حسن، لأن النفوس تألفه، والله الموفق للصواب برحمته.

وقوله أَلَّا نَعْبُدَ يحتمل أن يكون في موضع خفض بمعنى، إلى أَلَّا نَعْبُدَ، فذلك على البدل من كَلِمَةٍ ويحتمل أن يكون في موضع رفع بمعنى، هي أَلَّا نَعْبُدَ وما ذكره المهدوي وغيره من أن تكون مفسرة إلى غير ذلك من الجائزات التي يلزم عنها رفع نَعْبُدَ إكثار منهم فاختصرته، واتخاذ بعضهم بعضا أربابا هو على مراتب، أعلاها اعتقادهم فيهم الألوهية، وعبادتهم لهم على ذلك، كعزير وعيسى ابن مريم، وبهذا فسر عكرمة، وأدنى ذلك طاعتهم لأساقفتهم ورؤسائهم في كل ما أمروا به من الكفر والمعاصي والتزامهم طاعتهم شرعا، وبهذا فسر ابن جريج، فجاءت الآية بالدعاء إلى ترك ذلك كله وأن يكون الممتثل ما قاله الله تعالى على لسان نبيه عليه السلام، وقوله تعالى: فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ أمر بتصريح مخالفتهم بمخاطبتهم ومواجهتهم بذلك، وإشهادهم على معنى التوبيخ والتهديد، أي سترون أنتم أيها المتولون عاقبة توليكم كيف تكون.

قوله تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>