للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخطاب بقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عام في المؤمنين، والإشارة بذلك- وقت نزوله- إلى الأوس والخزرج بسبب نائرة شاس بن قيس، و «الفريق» - الجماعة من الناس والمراد بها هنا الأحبار والرؤوس، ويَرُدُّوكُمْ معناه: بالإضلال والتشكيك والمخادعة وإظهار الغش في معرض النصح، ثم وقف تعالى المؤمنين على هذا الأمر المستبعد المستشنع الذي يريده بهم اليهود، فقال وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ بهذه الأحوال الموصوفة؟ وكَيْفَ في موضع نصب على الحال، كما هي في قوله تعالى: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ [البقرة: ٢٨] والمعنى أجاحدين تكفرون؟

أجاهلين أمستخفين أمرتدين؟ ونحو هذا من التقدير والواو في قوله: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ عاطفة جملة كلام على جملة كلام، ولا يجوز أن تكون كَيْفَ في هذه الآية كما هي في قولك، كيف تفعل كذا، وأنت تسأل عن شيء ثابت الوقوع متحصلة، لأنه كان يلزم أن يكون كفر المؤمنين مقررا مثبت الوقوع، وتأمل معنى كَيْفَ إذا وليها فعل، ومعناها إذا وليها اسم، وقرأ جمهور الناس «تتلى» بالتاء من فوق، وقرأ الحسن:

«يتلى» بالياء إذا الآيات هي القرآن، وقوله تعالى: وَفِيكُمْ هي ظرفية الحضور والمشاهدة لشخصه عليه السلام، وهو في أمته إلى يوم القيامة، بأقواله وآثاره، ويَعْتَصِمْ معناه: يتمسك ويستذري، وعصم الشيء إذا منع وحمي، ومنه قوله يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ [هود: ٤٣] والعصم الأسباب التي يمتّ بها، ويعتصم من الخيبة في الغرض المطلوب، وقال الأعشى: [المتقارب]

إلى المرء قيس أطيل السّرى ... وآخذ من كلّ حيّ عصم

وتصرف اللفظة كثير جدا، وباقي الآية بيّن، والله المستعان.

قوله تعالى:

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٠٢ الى ١٠٣]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠٣)

الخطاب بهذه الآية يعم جميع المؤمنين، والمقصود به وقت نزولها الأوس والخزرج الذين شجر بينهم بسعاية شاس بن قيس ما شجر، و «تقاة» مصدر وزنه فعلة، أصله تقية، وقد تقدم قوله: إلا أن تتقوا منهم تقاة، ويصح أن تكون التقاة في هذه الآية جمع فاعل وإن كان لم يتصرف منه فيكون كرماة ورام، أو يكون جمع تقي إذ فعيل وفاعل بمنزلة، والمعنى على هذا: اتقوا الله كما يحق أن يكون متقوه المختصون به، ولذلك أضيفوا إلى ضمير الله تعالى، واختلف العلماء في قوله: حَقَّ تُقاتِهِ فقالت فرقة: نزلت الآية على عموم لفظها، وألزمت الأمة أن تتقي الله غاية التقوى حتى لا يقع إخلال في شيء من الأشياء، ثم إن الله نسخ ذلك عن الأمة بقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: ١٦] وبقوله: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>