للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأولنا، ولا تكون لآخرنا وقال عكرمة: نزلت في ابن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل.

قال القاضي أبو محمد: يريد ومن شاكلهم، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت في الذين هاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.

قال القاضي: فهذا كله قول واحد، مقتضاه أن الآية نزلت في الصحابة، قيل لهم كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ، فالإشارة بقوله أُمَّةٍ إلى أمة محمد معينة، فإن هؤلاء هم خيرها، وقال الحسن بن أبي الحسن وجماعة من أهل العلم: معنى الآية، خطاب الأمة بأنهم خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، فلفظ أُمَّةٍ، على هذا التأويل اسم جنس كأنه قيل لهم كنتم خير الأمم، ويؤيد هذا التأويل كونهم شهداء على الناس، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: نحن الآخرون السابقون الحديث. وروى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوما وهو مسند ظهره إلى الكعبة، نحن نكمل يوم القيامة سبعين أمة نحن آخرها وخيرها قال مجاهد: معنى الآية «كنتم خير الناس» - وقال الحسن: نحن آخرها وأكرمها على الله تعالى، وقال أبو هريرة رضي الله عنه: معنى الآية كنتم للناس خير الناس.

قال القاضي أبو محمد: فَأُمُّهُ على هذا التأويل، اسم جنس، قال أبو هريرة: يجيئون بالكفار في السلاسل فيدخلونهم في الإسلام.

قال القاضي: ولم يبعث نبي إلى الأمم كافة إلا محمد صلى الله عليه وسلم، فهو وأمته يدعون إلى الإيمان ويقاتلون العالم عليه، فهم خير الناس للناس، وليس يلزم على هذا التأويل أنها أفضل الأمم من نفس لفظ الآية، لكن يعلم هذا من لفظ آخر، وهي كقوله صلى الله عليه وسلم: أرأف أمتي بأمتي أبوبكر، فليس يقتضي هذا اللفظ أن أبابكر أرأف الناس على الإطلاق، في مؤمن وكافر.

قال القاضي: والرأفة على الإطلاق ليست بجارية مع الشرع كما يجب، وأما قوله، كُنْتُمْ على صيغة المضي، فإنها التي بمعنى الدوام، كما قال: وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [النساء: ٩٦- ٩٩- ١٠٠- ١٥٢، الفرقان: ٧٠، الأحزاب: ٥- ٥٠- ٥٩- ٧٣، الفتح: ١٤] ، إلى غير هذا من الأمثلة، وقال قوم: المعنى كنتم في علم الله، وقيل: في اللوح المحفوظ، وقيل فيما أخبر به الأمم قديما عنكم وخَيْرَ على هذه الأقوال كلها خبر كان، ويحتمل أن تكون كان التامة، ويكون خَيْرَ أُمَّةٍ نصبا على الحال، وهذا يتجه على بعض التأويلات التي ذكرناها دون بعض.

قال القاضي: وهذه الخيرية التي فرضها الله لهذه الأمة إنما يأخذ بحظه منها من عمل هذه الشروط من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله، وقوله: تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وما بعده، أحوال في موضع نصب، ثم أخبر تعالى عن أهل الكتاب على جهة التوبيخ المقرون بالنصح، أنهم لو آمنوا لنجّوا أنفسهم من عذاب الله، وجاءت لفظة خَيْرَ في هذه الآية وهي صيغة تفضيل، ولا مشاركة بين كفرهم وإيمانهم في الخير، وإنما جاز ذلك لما في لفظة خَيْرَ من الشياع وتشعب الوجوه، وكذلك هي لفظة أفضل وأحب وما جرى مجراها، وقد بيّن هذا المعنى في غير هذا الموضع بأوعب من هذا، وقوله تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>