للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باقيهم فتشبه الآية قوله تعالى: فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ [آل عمران: ١٤٦] على تأويل من رأى أن القتل وقع بالربيين، وقرأ عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: و «قتلوا» بفتح القاف والتاء من غير ألف، و «قتلوا» بضم القاف وكسر التاء خفيفة، وهي قراءة حسنة المعنى مستوفية للفضلين على الترتيب المتعارف، وقرأ محارب بن دثار: «وقتلوا» بفتح القاف «وقاتلوا» ، وقرأ طلحة بن مصرف: «وقتّلوا» بضم القاف وشد التاء «وقاتلوا» وهذه يدخلها إما رفض رتبة الواو، وإما أنه قاتل من بقي، واللام في قوله: لَأُكَفِّرَنَّ لام القسم وثَواباً مصدر مؤكد مثل قوله: صُنْعَ اللَّهِ [النمل: ٨٨] وكِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [النساء: ٢٤] وباقي الآية بين.

قوله تعالى:

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٩٦ الى ١٩٨]

لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (١٩٦) مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٩٧) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ (١٩٨)

نزلت لا يَغُرَّنَّكَ في هذه الآية، منزلة: لا تظن أن حال الكفار حسنة فتهتم لذلك، وذلك أن المغتر فارح بالشيء الذي يغتر به، فالكفار مغترون بتقلبهم والمؤمنون مهتمون به، لكنه ربما يقع في نفس مؤمن أن هذا الإملاء للكفار إنما هو لخير لهم، فيجيء هذا جنوحا إلى حالهم ونوعا من الاغترار فلذلك حسنت لا يَغُرَّنَّكَ ونظيره قول عمر لحفصة: لا يغرنك إن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، المعنى: لا تغتري بما يتم لتلك من الإدلال فتقعي فيه فيطلقك النبي صلى الله عليه وسلم، والخطاب للنبي عليه السلام، والمراد أمته وللكفار في ذلك حظ، أي لا يغرنكم تقلبهم، وقرأ ابن أبي إسحاق ويعقوب: «لا يغرنك» بسكون النون خفيفة، وكذلك «لا يصدنك ولا يصدنكم ولا يغرنكم» - وشبهه، و «التقلب» : التصرف في التجارات والأرباح والحروب وسائر الأعمال، ثم أخبر تعالى عن قلة ذلك المتاع، لأنه منقض صائر إلى ذل وقل وعذاب.

وقرأ أبو جعفر بن القعقاع: «لكنّ الذين» ، بشد النون، وعلى أن الَّذِينَ في موضع نصب اسما ل «لكنّ» ، ونُزُلًا: معناه تكرمة، ونصبه على المصدر المؤكد، وقرأ الحسن: «نزلا» ساكنة الزاي، وقوله تعالى: وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ يحتمل أن يريد: خير مما هؤلاء فيه من التقلب والتنعم، ويحتمل أن يريد: خير مما هم فيه في الدنيا، وإلى هذا ذهب ابن مسعود فإنه قال: ما من مؤمن ولا كافر إلا والموت خير له، أما الكافر فلئلا يزداد إثما، وأما المؤمن فلأن ما عند الله خير للأبرار.

قال أبو محمد: وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، فقال القاضي ابن الطيب: هذا هو بالإضافة إلى ما يصير إليه كل واحد منهما في الآخرة، فالدنيا على المؤمن المنعم سجن بالإضافة إلى الجنة، والدنيا للكافر الفقير المضيق عليه في حاله وصحته جنة بالإضافة إلى جهنم، وقيل: المعنى أنها سجن المؤمن لأنها موضع تبعه في الطاعات وصومه وقيامه، فهو فيها كالمعنت المنكل، وينتظر الثواب في الأخرى التي هي جنته، والدنيا جنة الكافر، لأنها موضع ثوابه على ما

<<  <  ج: ص:  >  >>