للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مما يبيتون اختلافا، أي: فإذ تخبرهم به على حد ما يقع، فذلك دليل أنه من عند الله غيب من الغيوب، هذا معنى قوله، وقد بينه ابن فورك والمهدوي.

وقوله تعالى: وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ الآية، قال جمهور المفسرين: الآية في المنافقين حسبما تقدم من ذكرهم، والآية نازلة في سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعوثه، والمعنى: أن المنافقين كانوا يشرهون إلى سماع ما يسوء النبي في سراياه، فإذا طرأت لهم شبهة أمن للمسلمين أو فتح عليهم، حقروها وصغروا شأنها وأذاعوا بذلك التحقير والتصغير، وإذا طرأت لهم شبهة خوف المسلمين أو مصيبة عظموها وأذاعوا ذلك التعظيم، وأَذاعُوا بِهِ معناه: أفشوه، وهو فعل يتعدى بحرف جر وبنفسه أحيانا، تقول أذعت كذا وأذعت به. ومنه قول أبي الأسود: [الطويل]

أذاعوا به في النّاس حتّى كأنّه ... بعلياء نار أوقدت بثقوب

وقالت فرقة: الآية نازلة في المنافقين، وفي من ضعف جلده عن الإيمان من المؤمنين وقلت تجربته.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فإما أن يكون ذلك في أمر السرايا فإنهم كانوا يسمعون أقوال المنافقين فيقولونها مع من قالها، ويذيعونها مع من أذاعها، وهم غير متثبتين في صحتها، وهذا هو الدال على قلة تجربتهم، وإما أن يكون ذلك في سائر الأمور الواقعة، كالذي قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنه جاء وقوم في المسجد يقولون طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، قال: فدخلت على عائشة فقلت: يا بنة أبي بكر بلغ من أمرك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: يا بن الخطاب عليك بعيبتك، قال: فدخلت على حفصة فقلت: يا حفصة قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يحبك، ولولا أنا لطلقك، فجعلت تبكي، قال: فخرجت حتى جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في غرفة له، ورباح مولاه جالس على أسكفة الغرفة، فقلت: يا رباح استأذن لي على رسول الله، فنظر إلى الغرفة ثم نظر إليّ وسكت، فقلت: يا رباح استأذن لي على رسول الله فلعله يظن أني جئت من أجل حفصة، والله لو أمرني أن أضرب عنقها لضربته، فنظر ثم أشار إليّ بيده: أن ادخل، فدخلت وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجع على حصير وقد أثر في جنبه، وإذا ليس في غرفته.

وهذا التأويل جار مع قول عمر، أنا استنبطته ببحثي وسؤالي، وتحتمل الآية أن يكون المعنى لعلمه المسئولون المستنبطون، فأخبروا بعلمهم، وقرأ أبو السمال، «لعلمه» بسكون اللام وذلك مثل «شجر بينهم» ، والضمير في رَدُّوهُ عائد على الأمر، وفي ومِنْهُمْ يحتمل أن يعود على الرَّسُولِ وأُولِي الْأَمْرِ، ويحتمل أن يعود على الجماعة كلها، أي لعلمه البحثة من الناس، وقوله تعالى: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ الآية، هذا خطاب لجميع المؤمنين باتفاق من المتأولين، والمعنى: ولولا هداية الله وإرشاده لكم بالإيمان وذلك فضل منه ورحمة- لكنتم على كفركم، وذلك هو اتباع الشيطان. وحكى الزجاج: لولا فضل الله في هذا القرآن ورسالة محمد عليه السلام، واختلف المتأولون في الاستثناء بقوله إِلَّا قَلِيلًا مم هو؟ فقال ابن عباس وابن زيد: ذلك مستثنى من قوله: «أذاعوا به إلا قليلا» ، ورجحه الطبري، وقال قتادة: ذلك مستثنى من قوله: «يستنبطونه إلا قليلا» ، وقالت فرقة:

<<  <  ج: ص:  >  >>