للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو عبيدة وغيره: يَصِلُونَ في هذا الموضع معناه، ينتسبون، ومنه قول الأعشى: [الطويل]

إذا اتّصلت قالت: أبكر بن وائل ... وبكر سبتها والأنوف رواغم

يريد إذا انتسبت.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا غير صحيح، قال الطبري: قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا وهم قرابة السابقين إلى الإسلام يقضي بأن قرابة من له ميثاق أجدر بأن تقاتل، فإن قيل: إن النبي عليه السلام لم يقاتل قريشا إلا بعد نسخ هذه الآية، قيل: التواريخ تقضي بخلاف ذلك، لأن الناسخ لهذه الآية هي سورة براءة، ونزلت بعد فتح مكة وإسلام جميع قريش، وقوله تعالى: أَوْ جاؤُكُمْ عطف على يَصِلُونَ، ويحتمل أن يكون على قوله: بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ والمعنى في العطفين مختلف وهذا أيضا حكم كان قبل أن يستحكم أمر الإسلام، فكان المشرك إذا اعتزل القتال وجاء إلى دار الإسلام مسالما كارها لقتال قومه، مع المسلمين ولقتال المسلمين مع قومه لا سبيل عليه، وهذه نسخت أيضا بما في براءة. وحَصِرَتْ: ضاقت وحرجت، ومنه الحصر في القول، وهو: ضيق الكلام على المتكلم، وقرأ الحسن وقتادة «حصرة» كذا قال الطبري: وحكى ذلك المهدوي عن عاصم من رواية حفص، وحكي عن الحسن أنه قرأ «حصرات» وفي مصحف أبيّ سقط أَوْ جاؤُكُمْ، وحَصِرَتْ عند جمهور النحويين في موضع نصب على الحال بتقدير قد حصرت.

قال القاضي أبو محمد: وهذا يصحب الفعل الماضي إذا كان في موضع الحال والداعي إليه أن يفرق بين تقدير الحال وبين خبر مستأنف، كقولك جاء زيد ركب الفرس، فإن أردت بقولك ركب الفرس خبرا آخر عن زيد، لم تحتج إلى تقدير قد، وإن أردت به الحال من زيد قدرته بقد، قال الزجاج:

حَصِرَتْ خبر بعد خبر، وقال المبرد: حَصِرَتْ دعاء عليهم.

قال القاضي أبو محمد: وقال بعض المفسرين: لا يصح هنا الدعاء، لأنه يقتضي الدعاء عليهم بأن لا يقاتلوا قومهم، ذلك فاسد.

قال المؤلف: وقول المبرد يخرج على أن الدعاء عليهم بأن لا يقاتلوا المسلمين تعجيز لهم، والدعاء عليهم بأن لا يقاتلوا قومهم تحقير لهم، أي هم أقل وأحقر، ويستغنى عنهم، كما تقول إذا أردت هذا المعنى: لا جعل الله فلانا عليّ ولا معي أيضا، بمعنى استغنى عنه واستقل دونه، واللام في قوله:

لَسَلَّطَهُمْ جواب لَوْ، وفي قوله: فَلَقاتَلُوكُمْ لام المحاذاة والازدواج، لأنها بمثابة الأولى، لو لم تكن الأولى كنت تقول: لو شاء الله لقاتلوكم، والمعنى تقرير المؤمنين على مقدار النقمة وصرفها، أي لو شاء الله لقواهم وجرأهم عليكم، فإذ قد أنعم الله عليكم بالهدنة فاقبلوها وأطيعوا فيها، وقرأت طائفة «فلقتلوكم» . وقرأ الجحدري والحسن «فلقتّلوكم» بتشديد التاء، والمعنى فإن اعتزلوكم أي هادنوكم وتاركوكم في القتل، والسَّلَمَ هنا الصلح، قاله الربيع، ومنه قول الطرماح بن حكيم:

وذاك أن تميما غادرت سلما ... للأسد كل حصان رعثة الكبد

<<  <  ج: ص:  >  >>