للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قضاء المناسك بذكر الله، فهو ذكر باللسان، وذهب قوم إلى أن قَضَيْتُمُ بمعنى فعلتم، أي إذا تلبستم بالصلاة فلتكن على هذه الهيئات بحسب الضرورات: المرض، وغيره، وبحسب هذه الآية رتب ابن المواز صلاة المريض فقال: يصلي قاعدا فإن لم يطق فعلى جنبه الأيمن، فإن لم يطق فعلى الأيسر، فإن لم يطق فعلى الظهر، ومذهب مالك في المدونة التخيير، لأنه قال: فعلى جنبه أو على ظهره، وحكى ابن حبيب عن ابن القاسم أنه قال: يبتدىء بالظهر ثم بالجنب، قال ابن حبيب: وهو وهم، قال اللخمي: وليس بوهم، بل هو أحكم في استقبال القبلة، وقال سحنون: يصلي على جنبه الأيمن كما يجعل في قبره، فإن لم يقدر فعلى ظهره، و «الطمأنينة» في الآية: سكون النفس من الخوف، وقال بعض المتأولين: المعنى:

فإذا رجعتم من سفركم إلى الحضر فأقيموها تامة أربعا، وقوله تعالى: كِتاباً مَوْقُوتاً معناه: منجما في أوقات، هذا ظاهر اللفظ، وروي عن ابن عباس: أن المعنى فرضا مفروضا، فهما لفظان بمعنى واحد كرر مبالغة.

وقوله تعالى: وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ يبين أن القضاء المشار إليه قبل، إنما هو قضاء صلاة الخوف، وتَهِنُوا معناه تلينوا وتضعفوا، حبل واهن أي ضعيف، ومنه: وَهَنَ الْعَظْمُ [مريم: ٤] ، وابْتِغاءِ الْقَوْمِ: طلبهم، وقرأ عبد الرحمن الأعرج «أن تكونوا» بفتح الألف، وقرأ يحيى بن وثاب ومنصور بن المعتمر «تيلمون» في الثلاثة وهي لغة، وهذا تشجيع لنفوس المؤمنين، وتحقير لأمر الكفرة، ومن نحو هذا المعنى قول الشاعر [الشداخ بن يعمر الكناني] : [المنسرح]

القوم أمثالكم لهم شعر ... في الرّأس لا ينشرون إن قتلوا

ثم تأكد التشجيع بقوله تعالى: وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ وهذا برهان بيّن، ينبغي بحسبه أن تقوى نفوس المؤمنين، وباقي الآية بيّن.

قوله تعالى:

[سورة النساء (٤) : الآيات ١٠٥ الى ١٠٧]

إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٦) وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (١٠٧)

في هذه الآية تشريف للنبي صلى الله عليه وسلم وتفويض إليه، وتقويم أيضا على الجادة في الحكم، وتأنيب ما على قبول ما رفع إليه في أمر بني أبيرق بسرعة، وقوله تعالى: بِما أَراكَ اللَّهُ معناه:

على قوانين الشرع، إما بوحي ونص، أو بنظر جار على سنن الوحي، وقد تضمن الله تعالى لأنبيائه العصمة، وقوله تعالى: وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً، وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً سببها باتفاق من المتأولين أمر بني أبيرق، وكانوا إخوة، بشر وبشير ومبشر، وكان بشير رجلا منافقا يهجو أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وينحل الشعر غيره، فكان المسلمون يقولون: والله ما هو إلا شعر الخبيث، فقال شعرا يتصل فيه، فمنه قوله:

أفكلما قال الرجال قصيدة ... نحلت وقالوا: ابن الأبيرق قالها

<<  <  ج: ص:  >  >>