للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محالا، وإذا كان مقصد قوله زيد الآمر الناهي المبرم الذي يعزل ويولي في الشام والعراق فأقمت السلطان مقام هذه كان فصيحا صحيحا، فكذلك في الآية أقام لفظة اللَّهُ مقام تلك الصفات المذكورة، وقالت فرقة وَهُوَ اللَّهُ ابتداء وخبرتم الكلام عنده، ثم استأنف، وتعلق قوله فِي السَّماواتِ بمفعول يَعْلَمُ، كأنه قال «وهو الله يعلم سركم وجهركم في السماوات وفي الأرض» فلا يجوز مع هذا التعليق أن يكون هُوَ ضمير أمر وشأن لأنه يرفع اللَّهُ بالابتداء، ويَعْلَمُ في موضع الخبر، وقد فرق فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ بين الابتداء والخبر وهو ظرف غريب من الجملة، ويلزم قائلي هذه المقالة أن تكون المخاطبة في الكاف في قوله:

سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ لجميع المخلوقين الإنس والملائكة، لأن الإنس لا سر ولا جهر لهم في السماء، فترتيب الكلام على هذا القول وهو الله يعلم يا جميع المخلوقين «سركم وجهركم في السماوات وفي الأرض» ، وقالت فرقة وَهُوَ ضمير الأمر والشأن و «الله في السماوات» ابتداء وخبرتم الكلام عنده، ثم ابتدأ كأنه قال «ويعلم في الأرض سركم وجهركم» ، وهذا القول إذ قد تخلص من لزوم المخاطبة الملائكة فهو مخلص من شبهة الكون في السماء بتقدير حذف المعبود أو المدبر على ما تقدم، وقوله تعالى: يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ خبر في ضمنه تحذير وزجر، وتَكْسِبُونَ لفظ عام لجميع الاعتقادات والأفعال والأقوال.

وقوله تعالى:

وَما تَأْتِيهِمْ الآية، ما نافية ومِنْ الأولى هي الزائدة التي تدخل على الأجناس بعد النفي، فكأنها تستغرق الجنس، ومِنْ الثانية للتبعيض، والآية العلامة والدلالة والحجة، وقد تقدم القول في وزنها في صدر الكتاب، وتضمنت هذه الآية مذمة هؤلاء الذين يعدلون بالله سواه بأنهم يعرضون عن كل آية ترد عليهم، ثم اقتضت الفاء في قوله فَقَدْ أن إعراضهم عن الآيات قد أعقب أن كذبوا بالحق وهو محمد عليه السلام وما جاء به، ثم توعدهم بأن يأتيهم عقاب استهزائهم، وما بمعنى الذي، ويصح أن تكون مصدرية، وفي الكلام حذف مضاف تقديره يأتيهم مضمن أنباء القرآن الذي كانوا به يستهزئون، وإن جعلت ما مصدرية فالتقدير يأتيهم نبأ كونهم مستهزئين، أي عقاب يخبرون أنه على ذلك الاستهزاء، وهذه العقوبات التي توعدوا بها تعم عقوبات الدنيا كبدر وغيرها وعقوبات الآخرة.

قوله عز وجل:

[[سورة الأنعام (٦) : آية ٦]]

أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (٦)

هذا حض على العبرة، والرؤية هنا رؤية القلب، وكَمْ في موضع نصب ب أَهْلَكْنا، والقرن والأمة المقترنة في مدة من الزمان، ومنه قوله عليه السلام: خير الناس قرني الحديث، واختلف الناس في مدة القرن كم هي؟ فالأكثر على أنها مائة سنة، ويرجح ذلك الحديث الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة منها لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد» قال ابن عمر:

<<  <  ج: ص:  >  >>